لا بد لكل مؤمن
لا بد لكل مؤمن
قال أبو محمد:
لا بد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء:
- أمر يمتثله.
- ونهي يجتنبه.
- وقدر يرضى به.
فأقل حال المؤمنين لا يخلو فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة.
فينبغي أن يلزم همَّها قلبه، وليحدث بها نفسه، ويأخذ الجواح بها في سائر أحواله.[9]
كيفية النظر إلى الدنيا
قال أبو محمد:
إذا رأيت الدنيا بين يدي أربابها بزينتها، وأباطيلها وخداعها، وحصائدها وسمومها القتالة، مع لين مس ظاهرها، وضراوة باطنها، وسرعة إهلاكها، وقتلها لمن مسَّها واغتَّر بها. .
فكن كمن رأى إنساناً على الغائط بالبراز، بادية سوأته، فائحة رائحته.
فإنك تغض بصرك عن سوأته، وتسد أنفك من رائحته ونتنه.
فهكذا كن في الدنيا.
إذا رأيتها غضَّ بصرك عن زينتها، وسد أنفك عما يفوح من روائح شهواتها ولذاتها. فتنجو منها ومن آفاتها، ويصل إليك قسمك منها وأنت مهنأ.
قال الله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم:
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [طه: 131]. [13]
النفس بين البلاء والعافية
قال أبو محمد:
النفس لها حالتان، لا ثالث لهما: حالة عافية، وحالة بلاء.
فإذا كانت في بلاء: فالجزع والشكوى والسخط والاعتراض والتهمة للحق جل وعلا، لا صبر ولا رضى ولا موافقة، بل سوء الأدب، والشرك بالحق والأسباب.
وإذا كانت في عافية: فالشر والبطر واتباع الشهوات واللذات. كلما نالت شهوة طلبت أخرى.
واستحقرت ما عندها من النعم من مأكول ومشروب وملبوس، ومنكوح ومركوب.
فتخرج لكل واحدة من هذه النعم عيوباً ونقصاً، وتطلب أعلى منها وأسنى مما لم يقسم لها، وتعرض عما قسم لها.
فترتكب الغمرات وتخوض المهالك في تعب طويل لا غاية له ولا منتهى في الدنيا، ثم في العقبى.
وإذا كانت في بلاء: لا تتمنى سوى انكشافها، وتنسى كل نعيم وشهوة ولذة، ولا تطلب شيئاً منها، فإذا عوفيت منها رجعت إلى رعونتها وشرهها وبطرها، وإعراضها عن طاعة ربها، وانهماكها في معاصيه، وتنسى ما كانت فيه من أنواع البلاء والضر، وما حلَّ بها من الويل. .
فلو أحسنت الأدبَ عند انكشاف البلية، ولازمت الطاعة والشكر والرضى بالمقسوم، لكان خيراً لها دنيا وأخرى، وكانت تجد زيادة في النعيم والعافية والرضى من الله عز وجل.
فمن أراد السلامة في الدنيا والآخرة، فعليه بالصبر والرضى، وترك الشكوى إلى الخلق، وإنزال حوائجه بربه عز وجل، ولزوم طاعته، وانتظار الفرج منه، والانقطاع إليه عز وجل.
إذ هو خير من غيره، ومن جميع خلقه: حرمانه عطاء، عقوبته نعماء، بلاؤه دواء، وعده نقد، قوله فعل. . كل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة، غير أنه طوى علم المصالح عن عباده وتفرد به.
فالأولى واللائق بحالة الرضى والتسليم، والاشتغال بالعبودية، من أداء الأوامر، والانتهاء عن النواهي، والتسليم في القدر. .
والسكوت عن "لِمَ" و"كيف" و"متى". [73- 74]
ارحم نفسك
قال أبو محمد:
احذر، لا يلهيك عن مولاك غيرُ مولاك.
وكل من سوى مولاك غيره.
فلا تؤثر عليه غيره، فإنه خلقك له، فلا تظلم نفسك فتشتغل بغيره عن أمره، فيدخلك النار، التي وقودها الناس والحجارة فتندم، فلا ينفعك الندم، وتعتذر فلا تُعذَر، وتستعتب فلا تُعْتَب، وتسترجع إلى الدنيا لتستدرك وتصلح فلا ترجع.
ارحم نفسك وأشفق عليها، واستعمل الآلات والأدوات التي أعطيتها في طاعة مولاك، من العقل والإيمان والمعرفة والعلم. [27]