خطبة بعنوان: اسم الله (المدبر)
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم, وبعد:
أوصيكم بتقوى الله -عز وجل-؛
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]
عباد الله: حديثنا اليوم عن اسم الله المدبر, والمدبر يعني أن الله -عز وجل- هو الفاعل الحقيقي في هذا الكون, وأن ما نظنه هو الفاعل من البشر أو غيرهم ما هو إلا سبب, فلو لم يرد الله أمراً لن يحدث أبدا, والمدبر يعني -أيضاً- أن الله -سبحانه وتعالى- يدبر شؤون عباده المؤمنين, بما هو أصلح لدينهم ودنياهم.
فاذا أردت الفلاح في الدنيا والآخرة ادعو الله أن يدبر لك؛ فأنت ليس بيدك شيء, إلا السعي دائماً بالأسباب, والله ولي التدبير لك وللمخلوقات جميعاً.
يظن كثير من الناس أن التفكر في ما خلق الله من سموات وأرض وبحار وأنهار وإنس وجن للاعتبار, وينسون ويغفلون عن التفكر في تدبير الله -تعالى- لهذا الخلق, كيف يدبر شأنهم؟! وكيف يرزقهم؟! وكيف يهديهم؟! وكيف يضلهم؟! وكيف ييسر أمورهم؟! وغير ذلك من التساؤلات؛ إنه المدبر لكل هذه التساؤلات.
عباد الله: إن تدبير الله خير من تدبيرك لنفسك, إن الإنسان قد يدعو الله فيما يحب, فإذا وقع ما يكره فعليه الرضا والتسليم فيما قد الله؛ فان اختيار الله أفضل وأكمل.
وإذا رجعنا لتدبير الله -عز وجل- في كثير من قصص الأنبياء -عليهم السلام- كيف دبر الله -عز وجل- رسله؟! فهذا موسى -عليه السلام- أوصى الله إلى أمه أن ألقيه في اليم في البحر داخل صندوق, ثم وصل الصندوق إلى فرعون, فلماذا لم يقتله وهو طفل صغير وستكون نهاية موسى -عليه السلام-؟! لكنه تدبير الله -عز وجل- جعله يربيه في قصره, حتى أصبح شاباً كبيراً, ثم دعاه للإسلام بعد أن أصبح نبياً؛ فرفض دعوة موسى -عليه السلام- والإيمان بالله.
وهذا يوسف -عليه السلام- يتشاورون في قتله فلم يقتلوه؛ إنه تدبير الله, ثم يرميه إخوته في الجب -أي البئر-, فلم يهلك بل حفظه الله حتى جعله الله -عز وجل- وزيراً في مصر؛ إنه تدبير الله,
(وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ) [يوسف: 56]
وهذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يريد المشركون أن يقتلوه, يتآمروا عليه ويجتمعوا حول بيته في مكة, لكن الله -عز وجل- أعمى أبصارهم, وخرج من بين أيديهم بعد أن جعل علياً في فراشه؛ أنه تدبير الله -عز وجل-, ويطارده الكفار في كل مكان حتى في المكان الذي يختفي فيه بجبل ثور مع صاحبه أبي بكر -رضي الله عنه- حتى إن صاحبه أبا بكر يقول: يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدميه لرآنا", لكن الله أعمى أبصارهم وبصائرهم؛ فيرد الرسول -عليه الصلاة والسلام- على أبي بكر ويقول: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما"؛ إنه تدبير الله -عز وجل-.
وهذا ما يقودنا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله, وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ, وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ؛ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ, وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ؛ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ".
ولعلنا نلاحظ في حياتنا كثيراً من الأقدار التي نراها شراً لنا, إلا أننا عندما نفكر في نتائجها نراها قد أصبحت خيراً, وما ذلك إلا من تدبير الله لنا, فعلينا أن نثق في تدبير الله لنا, وندعو الله -عز وجل- ونقول: "يا مدبر دبر أمورنا إلى خير".
نسأل الله أن يدبر أمورنا إلى خيري الدنيا والآخرة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على خير خلقه, وآله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
عباد الله: يقول -تعالى-:
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12]
؛ فقوله -سبحانه-: (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) هذا من التدبير, يجب أن نعلم أن الله -تعالى- هو الذي يسوق كل شيء لكل شيء؛ فهو الذي يسوق لك السبب ليحصل لك ما تريد, فيدبر لك الدكتور الذي يكون سبباً في شفاءك, ويدبر لك من يوظفك في وظيفة ما, ويمنعك من وظيفة ما قد تريدها؛ لحكمة يعلمها, ويدبر لك راتبك الشهري, ويدبرك في المرتبة أو الرتبة المناسبة, ويدبرك في أولادك, ويدبرك في المشاكل التي تعترضك, فعليك أن تثق في تدبير الله لك وتسأل الله الخيرة الطيبة؛ فهو الذي يختار لك الأفضل.
نسأل الله -عز وجل- أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى فقدْ أمركم اللهُ بذلكَ فقالَ جلّ مِنْ قائلٍ عليمًا:
(إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:٥٦]
.