تابع النقطة الخامسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)
النفطة الخامسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)
مُقْتَطَفَاتٌ مِنْ كَلامِ بُولِس تُثْبِت أنَّ عَقِيدَة الْخَطِيئة الأُولَى وعَقِيدَة الْفِدَاء إنَّمَا هُمَا مِنْ كَلامِه ولَيْسَتْ مِنْ تَعَالِيم الْمَسِيح:
• رِسَالة بُولِس إِلَى أَهْل رُوميَّة (3/24 - 25):
«مُـتَبَرِّرينَ مجانًا بِنِعْمتِه بِالْفِدَاء الَّذِي بِيَسُوع الْمَسِيح.
الَّذِي قَدَّمَه اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِه، لإِظْهَار بِرِّه، مِنْ أَجْل الصَّفْح عنِ الْخَطَايَا السَّالِفة بِإِمْهَال اللهِ».
• رِسَالة بُولِس إِلَى أَهْلِ رُومِيَّة (5/8 - 11):
«ولَكِنَّ اللهَ بَـيَّـنَ مَحَبَّتَه لَنَا، لأنَّه ونَحْنُ بَعْدُ خُطاةٌ مَاتَ الْمَسِيح لأَجْلِنا.
فَبِالأَوْلى كَثيِرًا ونَحْنُ مُتبَرِّرُون الآنَ بِدَمِه نَخْلُصُ بِه مِنَ الْغَضَب.
لأنَّه إنْ كُنَّا ونَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوتِ ابْنِه، فَبِالأَوْلَى كَثيرًا ونَحْنُ مُصَالِحُون نَخْلُصُ بِحَيَاتِه.
ولَيْسَ ذَلِك فَقَط، بَلْ نَفْتَخِر -أَيْضًا- بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح، الَّذِي نِلْنَا بِه الآنَ الْمُصَالَحة».
• رِسَالَة بُولِس إِلَى أَهْل رُومِيَّة (10/9):
«لأنَّكَ إنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوع، وآمَنْتَ بِقَلْبِك أنَّ اللهَ أَقَامَه مِنَ الأَمْواتِ، خَلَصتَ».
• وقَالَ كَمَا فِي رِسَالته الأَوْلَى إِلَى أَهْل كورنثوس (15/3-4):
«فَإِنَّنِي سَلَّمتُ إِلَيْكُم في الأَوَّل مَا قَبِلْتَه أَنَا أَيْضًا: أنَّ الْمَسِيح مَاتَ مِنْ أَجْل خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُب.
وأنَّه دُفِـن، وأنَّه قَامَ فِي الْيَومِ الثَّالِث حَسَب الْكُتُب».
• وقَالَ كَمَا فِي رِسَالَتِه إِلَى أَهْلِ غلاطية (4/4 - 5):
«ولكِن لَمَّا جَاءَ تَمَام الزَّمَان، أَرْسَل اللهُ ابْنَه وقَدْ وُلِـد مِنَ امرأةٍ لِيُحَرِّر بِالفِدَاء أَولَئك الْخَاضِعينَ للشَّرِيعة».
• وقَالَ -أَيْضًا- فِي رِسَالَتِه إِلى أَهْلِ غلاطية (3/13):
«الْمَسِيح افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَة النَّامُوس، إذْ صَار لَعْنةً لأَجْلِنا، لأنَّه مَكْتُوب: مَلْعَونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّق عَلَى خَشَبةٍ».
تَعْلِيق
تَبَيَّن مِمَّا سَبَق مِنْ كَلامِ بُولِس أنَّه هُو واضِعُ هَذِه الْعَقِيدة، عَقِيدَةَ الْخَطِيئَة، وعقيدة الفداء، وأنهما لَيْسَتا مِنْ عِنْدِ اللهِ، ولوْ أَنَّهَا كَانَت مِنْ عِنْدِ اللهِ لَقَرَّرَها الْمَسِيح نَفْسُه، ولورد ذلك عنه في الكلام المنسوب إليه في الأناجيل، ولكنَّ هذا لم يكن.
كَمَا تَبطُل بِذَلِك عَقِيدةُ صَلْب الْمَسِيح الَّتي جَاءَ بِهَا بُولِس، حيث أنه ادَّعى أن المسيح نزل إلى الأرض لكي يُصلب ويُهان ويقتل ويُدفن!
ويَبْقَى الْحَقُّ الَّذِي قَرَّرَتْه الَأَنَاجِيلُ ثُمَّ القُرآنُ بِأَنَّ اللهَ رَفَعَ الْمَسِيحَ إِلَى السَّمَاء دُونَ أَنْ يَـمَـسَّهُ أذًى(1).
تنبيه
تَأَمَّل أَيُّهَا القَارِئُ الْكَرِيمُ بُـغْضَ بُولِس للتَّورَاة، كَيْف أَنَّه وَصَفَ النَّامُوسَ (الَّذِي هُو التَّورَاة) بِأَنَّه لَعْنةٌ.
وانْظُر -أَيْضًا- إِلَى وَصْفِه للْمَسِيح بِأَنَّه لَعْنةٌ، وذَلِك في قَوْلِه: (صَارَ لَعْنَةً لأجْلِنا)!
ثمَّ بَعْد ذَلِك يَقُول هَذَا الْخَبِيثُ مُخَادِعًا للنَّاسِ: (إنَّ الْمَسِيحَ أَوْحَى إِلَيهِ، وأَنَّه نَبيٌّ أَرْسَلَه الْمَسِيح إلى النَّاس).
فواعجبًا من الْمَسِيحيينَ كَيْفَ يُصَدِّقُونَه ويُعَظِّمُونَه فِيمَا ادَّعَاه لِنَفْسِه بِأَنَّه رَسُولٌ من عند الله ومن عند المسيح!
خُلاصَةٌ مُهِمَّةٌ فِي بَيانِ دَوْر بُولِس فِي تَحْرِيف دِينِ الْمَسِيح
حَـوَّل بُولِسُ عَقِيدَةَ النَّاسِ في الْمَسِيح مِن نَبيٍّ مُرْسَلٍ مِنَ اللهِ بِرسَالَةٍ تَابِعَةٍ لِشَرِيعَةِ مُوسَى، وخَاصَّةٍ إِلَى قَوْمِه بَني إسْرَائِيل فَقَط، حَوَّل ذَلِك في نَظَرِهم إِلى أنَّه ابنٌ للهِ، تَجَسَّد بِهَيْئَةٍ بَشَريَّةٍ، ونَزَلَ إِلَى الأَرْضِ.
ثُمَّ قَدَّم بُولِس هَذِه الصُّورَة إِلى الْوثَنِيينَ الرُّومَان، مِن رَعَايا الإِمْبراطُورِيَّة الرُّومَانِيَّة الَّذِين يُؤمِنون أَصلًا بَتَعدُّدِ الآلهة ونَزُولِهَا إِلى الأَرْضِ وحَيَاتِهَا بَيْن النَّاسِ عَلَى هَيْئةٍ بَشَريَّةٍ، فَتَقَبَّلُوا مَا قَدَّمَه لَهُم بُولِس، كَآلِهَةٍ إضَافِيَّةٍ نَزَلت مِن السَّمَاء، وعَاشَت بَيْن النَّاس، ثُمَّ قُتِلتْ عَلَى الصَّلِيب، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرُّومَان تَـحَـفُّظٌ عَلى مَا طَرَحَه بُولِس أَبدًا، لأنَّ الْعَقِيدَة الَّتي طَرَحَها قَريبةٌ مِنْ مُعْتَقدَاتِهم وأَفْهَامِهم، ولا تَحْتَاج إِلَى بَذْل جُهْدٍ لإقْنَاعِهم في إضَافَتِها إِلى مَا عِنْدَهُم مِن عَقَائِد.
وسَيأتي في خَاتِمة هَذَا الْكِتَاب مُلْحقٌ لَطِيفٌ فِيه بَيانٌ لِعَقَائِدِ الرُّومَان في ذَلِك الزَّمَان قَبْلَ دُخُولِهم في الدِّين الَّذِي قَدَّمه بُولسُ لَهم، لَيَتَّضِح للقَارِئ الْكَريم والقَارِئة الْكَرِيمة كَيْفَ اسْتَطَاع بُولِس بِكَيْدِه الْخَفِي ضَرْبَ عُصْفُورينِ بِحجرٍ واحدٍ؛ إفْسَاد دِين الْمَسِيح مِنْ جِهَةٍ، وإدْخَال الرُّومَان في الدِّين الفَاسِد الَّذِي اخترعه مِن جِهةٍ أُخْرَى.
ومِمَّا مهَّد الطَّريقَ أَمَامَ بُولِس لإِجْرَاء هَذَا التَّحْرِيف والتَّبْدِيل أنَّه لمْ يَكُن أَمَامَ بُولِس مَنْ يَرْدعُه، فَالْمَسِيح لمْ تَكُن لهُ دَولةٌ تَحْمِيه وتَنْصرُ دِينَه، فَقدْ كَانَ الرُّومَان الوثَنيُّون هُم السُّلْطَة القَائِمَة، وتَلامِيذُ الْمَسِيح أَصَابَهُم الذُّعرُ وتَفَرَّقُوا بَعْد هُجُوم الْيَهُود مُؤيَّدِين بِالشُّرْطَة الرُّومَانِيَّة عَلى الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيه الْمَسِيح، فَانْتِهَاءُ وجُودِ السَّيدِ الْمَسِيح عَلَى الأَرْض فَجْأةً, وبِهَذَا الأُسْلُوب الْعَنِيف تَسَبَّب في وجُود صَدْمَةٍ نَفْسِيَّةٍ قَويَّةٍ عَلَى تَلامِيذِ الْمَسِيح وأَتْبَاعه الضُّعَفَاء مَاديًّا ونَفْسيًّا وعِلْميًّا، الَّذِين لَيْس بَيْنَهم تِلْميذٌ وَاحدٌ لهُ نُفوذٌ ووجَاهةٌ بِحَيثُ يُمْكِن اللُّجُوء إِلَيه، فَصَار هَـمُّ الْواحدِ مِنْهُم هُو نُفُوذُهُ بِجلْدِه مِنْ أَنْ يَحْصُل لهُ تَعْذِيبٌ ومُلاحَقةٌ إنْ هُو وَاصَل نَشْر تَعْالِيم الْمَسِيح بَعْد رَفْعِه، فَابْتَعَد التَّلامِيذ عَنْ هَذِه الْفِكْرة تَمامًا، مِمَّا أدَّى إِلى إضْعَاف نَشْرِ رِسَالَةِ المسيح ودِينِه عَلَى الْمُسْتَوى الْعَام، وتَهَيُّؤِ الفُرْصَة لِبولِس للْبَدْء في نَشْر بِضَاعَتِه الفَاسِدة الْمُتَمَثِّلة في تَعَالِيم مُحَّرفَة تَحْمِل اسْمَ الْمَسِيح في الظاهر، وفي بِاطِنِهَا تُخَالِف وتُنَاقِض تَعَالِيم الْمَسِيح ودِينِه جُمْلةً وتَفْصيلًا.
المراجع
- انظر المرجع السابق، وسيأتي تقرير أن المسيح لم يُصلب ولم يمسه أذى في الملحق الرابع: «قصة مريم العذراء وابنها المسيح عيسى ابن مريم» - رَفْعُ المسيح دون أن يَمَسَّهُ أذًى.