الشبَهات الواردة حول اسم الله (التواب)
الشبهة الأولى:
قال تعالى:
{لقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍمِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة :١١٧]
والتوبة إنما تكون عن شيء يصدر من العبد، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر والصغائر؟
الرد عليها:
فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - : الحمد لله، الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - معصومون من الإقرار على الذنوب، كبارها وصغارها، وهم بما أخبر الله به عنهم من التوبة يرفع درجاتهم، ويعظم حسناتهم، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وليست التوبة نقصًا، بل هي من أفضل الكمالات، وهي واجبة على جميع الخلق ، فغاية كل مؤمن هي التوبة، ثم التوبة تتنوع، كما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
فالتوبة لا تختص بأهل الجرائم العِظام، والذنوب الكِبار، وإنما التوبة تكون لكل أحد، فها هم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يتوبون إلى الله وهم خيار الخلق، والنبي – صلى الله عليه وسلم - كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد أستغفر الله وأتوب إليه، وفي المجلس الواحد سبعين مرة، ومائة مرة، وهو أفضل الخلق وأشرفهم.
وبعد أن وجهه ربه بقوله:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر:1- 3]
كان يكثر من الاستغفار والتسبيح بختم هذه الأعمال الجليلة، والدعوة والجهاد في هذه المدة الطويلة، ويختم ذلك بالاستغفار والتوبة، فكان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فماذا يقول غيره إذًا؟!
فتوبة المؤمنين واستغفارهم من أعظم حسناتهم، وأكبر طاعاتهم، وأجل عباداتهم التي ينالون بها أجل الثواب.
فإن قائل قائل: ما حاجة الأنبياء إلى العبادات والطاعات؟
يقال له: إنما نالوا ما نالوه بعبادتهم وطاعتهم، فكيف لا يحتاجون إلى التوبة مثلًا وهي أفضل عبادتهم وطاعتهم.
الشبهة الثانية:
يقول النصارى بتوارث خطيئة آدم - عليه السلام – في صورة الصلب والقتل، وتفصيل قولهم: أن اللاهوت تعلق على الصليب ليذوق العذاب والآلآم، وان ماذاقه الله من ألم وعذاب على الصليب هو كفارة لنا (تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً)
الرد عليها:
نقول : إذا كان الأمر كذلك عندكم فكيف آمنتم بتجسده وتعليقه على الصليب وتحمله العذاب والآلآم على ذاك الصليب الذي لا يعلق عليه الا الملاعين كما يقول الكتاب في سفر التثنية . فأي خطايا أعظم من هذه في حق مقام الإله السامي وقداسته وجلاله ؟! أم أن قداسته المطلقة تتطلب أن يعالج الخطأ بخطأ آخر في حقه ؟!
لقد كان الإسلام واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار فيما حدث لآدم عليه السلام فلقد أغوى الشيطان آدم قبل أن ينعم الله عليه بالنبوة فأكل وزوجته من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها . قال تعالى :
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
نعم لقد عصى آدم عليه السلام قبل ان يكون نبياً ربه ولكن ثم ماذا ؟ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى : {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122]
هكذا عالج الله عز وجل الخطيئة ، ندم آدم ، فتاب، فغفر الله له ذلك الذنب، وانتهت هذه الخطيئة بالتوبة.
الشبهة الثالثة:
هل التوبة تسقط الحد؟
الرد عليها:
قال القرطبى – رحمه الله تعالى -: ولا خلاف فيما أعلمه أن التوبة لا تسقط حدا؛ ولهذا قال علماؤنا: إن السارق والسارقة والقاذف متى تابوا وقامت الشهادة عليهم أقيمت عليهم الحدود، ولكنه تعالى شرع الحدود والكفارات ليكفر بها الذنوب عن العباد، فعذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة.
الشبهة الرابعة:
تعارض قوله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ } [آل عمران: 90]
، مع الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"
قال: هذا حديث حسن غريب. ومعنى ما لم يغرغر: ما لم تبلغ روحه حلقومه؛ فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به.
والسؤال لماذا لم يقبل الله تعالى توبة المرتد قبل أن يغرغر؟
الرد عليها:
قال القرطبى:
قال قتادة وعطاء الخراساني والحسن: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته "ثم ازدادوا كفرا" بإقامتهم على كفرهم...
وقوله: "لن تقبل توبتهم" مشكل لقوله:
"وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات" [الشورى: 25]
فقيل: المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت. قال النحاس: وهذا قول حسن؛ كما قال عز وجل:
"وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن" [النساء: 18]
.... وقيل: "لن تقبل توبتهم" التي كانوا عليها قبل أن يكفروا؛ لأن الكفر قد أحبطها. وقيل: "لن تقبل توبتهم" إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر؛ وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام... وقال قطرب: هذه الآية نزلت في قوم من أهل مكة قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون، فإن بدا لنا الرجعة رجعنا إلى قومنا. فأنزل الله تعالى: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم" أي لن تقبل توبتهم وهم مقيمون على الكفر؛ فسماها توبة غير مقبولة؛ لأنه لم يصح من القوم عزم، والله عز وجل يقبل التوبة كلها إذا صح العزم.
الشبهة الخامسة:
ادعى اليهود والنصارى أن الأحبار والرهبان يملكون حط الذنب عن المذنب بما يسمى صكوك الغفران.
الرد عليها:
هذا من ضلالاتهم التي أضلوا بها الناس، فليس لأحد من خلق الله ملَكًا كان أو رسولًا أي سلطان في محو الذنب أو ستره، أو تلقي الاعتراف بالذنب، سوى الرب التواب سبحانه، وفي تقرير ذلك يقول الله جل وعلا {}[]، وفي الدعاء الذي علمه النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر:
" اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كبيرًا – أو كثيرًا – ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم" [أخرجه البخاري ومسلم].
ولكن الله تعالى لا يفضح أهل الذنوب ابتداء، ليكون ذلك عونًا لهم على توبتهم، ولا يعاجلهم بالعقوبة، بل يمهلهم الفرصة للتوبة والرجوع، وهذا من حكمته سبحانه.
[المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام، علي بن نايف الشحود، المنهج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، محمد الحمود لنجدي]