التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
- القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ. قالَ المؤلِّفُ غفرَ اللهُ لنا ولهُ: فَصْلٌ:
أَخْبَرُ النَّاسِ بِمَقَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ قَدْ حَكَى اتِّفَاقَ الْحُكَمَاءِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَالْمَلَائِكَةَ فِي السَّمَاءِ كَمَا اتَّفَقَتْ عَلَى ذَلِكَ الشَّرَائِعُ
- الشيخ: يريدُ ابنَ رشدٍ الحفيدِ، وإن كانَ هو منهم، يعني ممَّن اعتنقَ الفلسفةَ وقالَ بأقوال الفلاسفةِ، يخبرُ ابن القيِّمِ، يقولُ: إنَّه أَخْبَرُ النَّاسِ بكلامِ الْفَلَاسِفَةِ يحكي أنَّهم متَّفقون على إثباتِ العلو لله، يعني: قدماءَ الفلاسفةِ، كما ذكرَ أنَّ أوَّلَ من قالَ بنفي الصِّفاتِ وتكلَّم في شأنِ الرَّبِّ تعالى بكلامٍ مناقضٍ للعقل وما جاءتْ به الرُّسلُ هو: أرسطو، فابنُ القيِّم يخبرُ عن هذا الفيلسوفِ بأنَّه يؤكِّدُ صحَّةَ ما دلَّ عليه القرآنُ من إثباتٍ.. ما هو بيثبت صحَّته، بس [فقط] يثبتُ أنَّ الرُّسلَ والفلاسفةَ كلُّهم متَّفقونَ على هذا، وإلَّا فهو يقولُ بقول الفلاسفةِ، فهو أشبهُ ما يكون بأنَّه باطنيٌّ. أعد الكلامَ من أوَّله.
- القارئ: أَخْبَرُ النَّاسِ بِمَقَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ قَدْ حَكَى اتِّفَاقَ الْحُكَمَاءِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَالْمَلَائِكَةَ فِي السَّمَاءِ كَمَا اتَّفَقَتْ عَلَى ذَلِكَ الشَّرَائِعُ
- الشيخ: الحكماءُ هم الفلاسفةُ، الفلاسفةُ يعبِّرون عنهم بالحكماءِ؛ لأنَّ الفلسفةَ هي محبَّةُ الحكمة، والفيلسوفُ محبُّ الحكمة، ولهذا يسمّونهم الحكماءَ، ويسمّون الفلسفةَ الحكمةَ، وعلم الحكمةِ.
- القارئ: أَخْبَرُ النَّاسِ بِمَقَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ قَدْ حَكَى اتِّفَاقَ الْحُكَمَاءِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَالْمَلَائِكَةَ فِي السَّمَاءِ كَمَا اتَّفَقَتْ عَلَى ذَلِكَ الشَّرَائِعُ، وَقرَّرَ ذَلِكَ بِطْرِيقٍ عَقْلِيٍّ مِنْ جِنْسِ تَقْرِيرِ ابْنِ كُلَّابٍ، وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَيْسَ مُجَسِّمٌ.
قَالَ هَؤُلَاءِ: وَإِثْبَاتُ صِفَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ لَهُ سُبْحَانَهُ لَا يُوجِبُ الْجِسْمِيَّةَ، بَلْ وَلَا إِثْبَاتَ الْمَكَانِ، وَبَنَى الْفَلَاسِفَةُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْمَكَانَ هُوَ السَّطْحُ الْبَاطِنُ مِنَ الْجِسْمِ الْحَاوِي الْمُلَاقِي لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِنْ الجِسْمِ الْمَحْوِي، فَكَانَ الْإِنْسَانُ عِنْدَهُمْ هُوَ بَاطِنُ الْهَوَاءِ الْمُحِيطِ بِهِ، وَكُلُّ سَطْحٍ بَاطِنٍ فَهُوَ مَكَانٌ لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِمَّا يُلَاقِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْأَجْسَامِ سَطْحُ جِسْمٍ بَاطِنٍ يَحْوِي شَيْئًا؛ فَلَا مَكَانَ هُنَاكَ، إِذْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَكَانٌ حَاوٍ لِسَطْحِ الْجِسْمِ لَكَانَ الْحَاوِي جِسْمًا، وَلِهَذَا قَالَ: فَإِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى وُجُودِ مَوْجُودٍ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جِسْمٍ، فَالَّذِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ هُنَاكَ هُوَ وُجُودُ جِسْمٍ لَا وُجُودُ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَقَرَّرَ إِمْكَانَ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَ إِثْبَاتَهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِسْبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَالَمِ الْمَحْسُوسِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ وَالَّذِي يُمَكِّنُ مُنَازِعُوهُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يَقُولُوا: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ شَيْءٌ لَا جِسْمٌ وَلَا غَيْرُ جِسْمٍ، أَمَّا غَيْرُ الْجِسْمِ فَلِمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا الْجِسْمُ فَلِأَنَّ كَوْنَهُ مُشَارًا إِلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَاكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا، وَحِينَئِذٍ فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتُونَ لِمَنْ نَازِعَهُمْ فِي ذَلِكَ: وُجُودٌ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ وَرَاءَ أَجْسَامِ الْعَالَمِ، وَلَا دَاخِلًا فِي الْعَالَمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَوُجُودُ مَوْجُودٍ وَرَاءَ أَجْسَامٍ لِلْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، ثُمَّ إِذَا عَرَضْنَا عَلَى الْعَقْلِ وُجُودَ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا فِي الْعَالَمِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ وَلَا يُشَارُ إِلَيْهِ، وَعَرَضْنَا عَلَيْهِ وُجُودَ مَوْجُودٍ يُشَارُ إِلَيْهِ فَوْقَ الْعَالَمِ لَيْسَ بِجِسْمٍ كَانَ إِنْكَارُ الْعَقْلِ لِلْأَوَّلِ أعظمَ، وامتناعُهُ فيهِ أظهرَ
- الشيخ: اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، الحمدُ لله على نعمةِ العافية، سبحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ، تخبُّطٌ، اللَّهمَّ لك الحمدُ، وجسم وغير، كلمةُ "جسم" هذه صارُوا بسببِها يتخبَّطون ويتناقضون ويضطربون، "جسم، ما ليسَ بجسمٍ، اللهُ ليس بجسمٍ" وقالَ المحقِّقون: إنَّ كلمةَ "جسمٍ" هذه ما لها أصلٌ، لا في كتابِ اللهِ، ولا في سنَّةِ رسولِه، وهي كلمةٌ مجملةٌ لها معانٍ في اللُّغةِ العربيَّةِ، وفي الاصطلاحاتِ الكلاميَّةِ، إذاً فهي من...، فلا يصحُّ إطلاقُ القولِ بأنَّ اللهَ جسمٌ، ولا أنَّ اللهَ ليس بجسمٍ، ومن قالَ: "اللهُ جسمٌ"، قلنا له: ما معنى الجسم عندك؟ ومن قال: "اللهُ ليسَ بجسمٍ"، قلنا له: ما معنى الجسم عندك؟ وفي ضوءِ الشَّرحِ نحكمُ على ذلك المتكلِّمِ، فإنْ فسَّرَ الجسمَ بما يمتنعُ وجوده، بما يمتنعُ على الله، كان النافي محقَّاً، والمثبتُ مبطلاً، وإن فسَّرَه بما هو ثابتٌ لله، كان النافي مبطلاً والمثبتُ محقَّاً.
- طالب: لكن اللَّفظ، أحسن الله إليكم، اللَّفظُ بإطلاقِ الجسمِ، لفظُ الجسمِ يُطلَقُ على..؟
- الشيخ: على اللهِ؟
- طالب: نعم
- الشيخ: لا
- طالب: الأصلُ أن يُعبَّرَ بالألفاظِ الشرعيَّةِ
- الشيخ: وفي معاني صحيحة وواضحة، يعني نقولُ: اللهُ موجودٌ، كلمةُ موجودٍ، نقولُ: اللهُ قائمٌ بنفسِه، نعم اللهُ قائمٌ بنفسه.
يعني لو فسَّر لنا من يقولُ: "اللهُ جسمٌ" إنَّ الجسمَ هو القائمُ بنفسه، قلْنا: نعم، اللهُ قائمٌ بنفسِه، صحيحٌ.
وإذا قلنا قالَ: "إنَّ الجسمَ هو المركَّبُ من الجواهرِ المفردةِ، أو من الهيولى و[....]" قلنا: لا، لا يجوزُ إضافةُ هذا المعنى لله، وإذا فسَّرَ الجسمَ بما يُشارُ إليه، نقول: نعم، الله يُشارُ إليه، اللهُ فوقَ، الرسولُ أشارَ إلى الله، إلى العلو، قالَ: (اللَّهمَّ اشهدْ، اللَّهمَّ اشهدْ)
- القارئ: فإنْ كَانَ حكمُ الْعَقْلِ في الْأَوَّلِ الْقَبُولُ وَجَبَ قَبُولُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مَرْدُودًا وَجَبَ رَدُّ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ الْعَقْلُ الصَّرِيحُ أَنْ يَقْبَلَ الْأَوَّلَ وَيَرُدَّ الثَّانِي أَبَدًا.
فَصْلٌ: ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ لَمْ تُقْبَلِ الْإِشَارَةُ الْحِسِّيَّةُ إِلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِسًّا بِأُصْبُعِهِ بِمَشْهَدِ الْجَمْعِ الْأَعْظَمِ، وَقَبِلَ مِمَّنْ شَهِدَ لَهَا بِالْإِيمَانِ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ إِلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ فَقَطْ أَوْ لَا يَقْبَلُهَا أَيْضًا كَمَا لَا يَقْبَلُ الْحِسِّيَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَا هَذِهِ وَلَا هَذِهِ فَهُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ، بَلِ الْعَدَمُ الْمُقَيَّدُ الْمُضَافُ يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ دُونَ الْحِسِّيَّةِ، وَإِنْ قَبِلَ الْإِشَارَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ دُونَ الْحِسِّيَّةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، لَا ذَاتًا خَارِجِيَّةً، وَهَذَا مِمَّا لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ، فَمَنْ أَنْكَرَ جَوَازَ الْإِشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ إِلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَجْعَلَهُ مَعْدُومًا أَوْ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، لَا ذَاتًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا.
الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَرُّوا مِنَ الْقَوْلِ بِعُلُوِّ اللَّهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ خَشْيَةَ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ قَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ إِلَّا بِنَوْعٍ مِنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ، كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ، لَمَّا ذَكَرَ شُبَهَ الْقَائِلِينَ بِالْقِدَمِ، قَالَ: "الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: لَوْ كَانَ حَدَثًا فَمُحْدِثُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ مُخَالِفًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ مُمَاثِلًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ مُخَالِفًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ حَادِثٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْمُحْدِثُ لَهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ مُخَالِفًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَضِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُوجباً لِلْوُجُودِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَمِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مُمَاثِلٌ لِلْحَادِثِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ، وَهُوَ التَّسَلْسُلُ الْمُحَالُ، وَهَذِهِ الْمُحَالَاتُ إِنَّمَا نَشَأَتْ مِنَ الْقَوْلِ بِكَوْنِهِ مُحْدِثًا لِلْعَالَمِ.
قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ مِنْ أَقْسَامِهَا إِنَّمَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ كَوْنِ الْقَدِيمِ مُمَاثِلًا لِلْحَادِثِ مَنْ وَجْهٍ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِلْحَادِثِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حَادِثًا، بَلْ لَا مَانِعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي صِفَةِ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ، وَإِنَّمَا تَمَاثَلَا بِأَمْرٍ آخَرَ، وَهَذَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ يَخْتَلِفَانِ مَنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِاسْتِحَالَةِ اخْتِلَافِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِلَّا لَمَا اشْتَرَكَا
- الشيخ: كأن هذا الآمدي كأنَّه يشيرُ إلى القدْرِ المشتركِ الَّذي لابدَّ من إثباتِه، يعني: لابدَّ من قدرٍ مشتركٍ بينَ ما يُضافُ إلى الله، وما يُضافُ إلى العبد حتَّى في الوجود، فبينَ الخالقِ والمخلوقِ قدرٌ مشتركٌ في مطلق الوجودِ وفي مطلقِ الحياةِ وفي مطلقِ العلم، يوضِّحُ ذلك لو قلْنا لك مثلاً: هل الوجودُ من خصائصِ اللهِ؟ هل الوجودُ من خصائصِ المخلوقِ؟ الوجودُ الواجبُ من خصائصِ اللهِ؟ نعم، الوجودُ الممكنُ؟ من خصائصِ المخلوقِ. إذاً بين الوجودِ الواجبِ -وهو وجودُ الله- والوجودِ الممكنِ -وهو وجودُ المخلوقاتِ- بينَهما قدرٌ مشتركٌ وهو مسمَّى الاسم المطلق، وقلْ مثلَ ذلكَ في بقيَّةِ الأسماءِ.
- القارئ: وَهَذَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ يَخْتَلِفَانِ مَنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِاسْتِحَالَةِ اخْتِلَافِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِلَّا لَمَا اشْتَرَكَا فِي الْعَرَضِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ وَالْحُدُوثِ، وَاسْتِحَالَةِ تُمَاثُلِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَإِلَّا كَانَ السَّوَادُ بَيَاضًا؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا لَزِمَ مِنْ مُمَاثَلَةِ السَّوَادِ لِلْبَيَاضِ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لَهُ فِي صِفَةِ الْبَيَاضِيَّةِ. انتهى كلامُه.
يقولُ ابنُ القيِّمِ: فَيُقَالُ: يَا لَلَّهِ الْعَجَبَ: هَلَّا طردْتُم هَذَا الْجَوَابَ فِي إِثْبَاتِ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ كَمَالِهِ كُلِّهَا، وَأَجَبْتُمْ بِهَذَا الْجَوَابِ مَنْ قَالَ لَكُمْ مِنَ الْمُعَطِّلَةِ وَالنُّفَاةِ: لَوْ كَانَ لَهُ صِفَاتٌ لَزِمَ مُمَاثَلَتُهُ لِلْمَخْلُوقَاتِ؟ وَهلّا تَقْنَعُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ الَّذِي أَجَبْتُمْ بِهِ مَنْ أَنْكَرَ حُدُوثَ الْعَالَمِ؟ بَلْ إِذَا أَجَابُوكُمْ بِهِ قَلَبْتُمْ لَهُمْ ظَهْرَ الْمِجَنِّ وَصَرَّحْتُمْ بِتَكْفِيرِهِمْ وَتَبْدِيعِهِمْ، وَإِذَا أَجَبْتُمْ أَنْتُمْ بِهِ بِعَيْنِهِ كُنْتُمْ مُوَحِّدِينَ.
فصلٌ: يُقَالُ: هَلْ لِلرَّبِّ مَاهِيَّةٌ
- الشيخ: إلى آخرِهِ، اللهُ المستعانُ.