العفو القدير
– في الحديث الذي علم فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ما تدعو به ليلة القدر، قال لها: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
– لابد أن يكون دعاء مميزا مع قلة كلماته، وسهولة معانيه.
– ألم يؤت الرسول صلي الله عليه وسلم جوامع الكلم.
كنت وصاحبي نقرأ في كتاب عن الأدعية الثابتة عن النبي صلي الله عليه وسلم بين العشائين، وقد خلا المسجد من المصلين.
– ما معنى (العفو) لغة؟
– (عفا) مأخوذ من عفت الرياح الآثار، أي أزالتها ومحتها، و(العفو) بتشديد الواو على وزن فعول، وهو من أسماء الله الحسنى.
و(العفو) بتخفيف الواو هو محو الذنب (وترك) العقاب عليه مع استحقاق صاحبه للعقاب مع القدرة عليه والتمكن منه، أي أن المعاقِب قادر على العقاب ومتمكن من الذي يستحق العقاب ولا مانع يمنعه من إيقاع العقاب عليه، ومع ذلك لا يعاقب، بل (يعفو).
فالله عز وجل كثير (العفو) فهو سبحانه (العفو).
استحسن صاحبي هذا التفصيل اللغوي.
– كم هي جميلة ودقيقة لغتنا العربية.
– يكفي أنها لغة القرآن، كلام الله عز وجل.
– وكم مرة ورد اسم (العفو) لله عز وجل في كتابه؟!
– ورد اسم الله (العفو) خمس مرات في القرآن الكريم واقترن بـ(الغفور) أربع مرات، واقترن مرة واحدة بـ(القدير)، وكان دائماً الاسم الأول، فهو (العفو الغفور)، وهو سبحانه (العفو القدير) كما في قوله تعالى:
{إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}(النساء: 149)
ويمكننا أن نفهم المعنى بصورة أدق إذا قرأنا في كتب التفسير.
نهض صاحبي وجلب كتابين في التفسير، قلب صفحات الكتاب الأول.. أخذ يقرأ.
– {فإن الله كان عفوا قديرا} دليل جواب الشرط، وهو علة له، وتقدير الجواب يعف عنكم مع القدرة عليكم كما أنكم فعلتم الخير جهرا وخفية وعفوتم عند القدرة على الأخذ بحقكم؛ فجواب الشرط وعد بالمغفرة لهم في بعض ما يقترفونه جزاء على فعل الخير وعلى العفو عمن اقترف ذنبا في حقهم.
وضع صاحبي الكتاب الأول وأخذ يقرأ في الكتاب الثاني.
– لم يزل سبحانه ذاعفو مع قدرته على الانتقام، فاعفوا أنتم عمن ظلمكم، واتصفوا بهذه الصفة (العفو)؛ لأنها صفة كمال واسم من أسماء الله الحسنى، فمن عفا عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه.
– وهل المغفرة أبلغ أم العفو؟
– (العفو) محو الذنب، فلا يبقى الذنب في الكتاب ولا يبقى له أثر، فكأنه لم يكن أصلاً.
(المغفرة) من (الغفر) وهو (التغطية) فالمغفرة معناها تغطية الذنوب وسترها مع بقائها، كما في الحديث: «إن الله إذا أراد أن يستر عبداً….»
– جميل، وتدبر في اقتران (العفو) بـ(القدير) فإنه تأكيد على قدرة الله على الانتقام منهم، ومع أن (العفو) لا يكون إلا مع (القدرة) ولكنه سبحانه أكد المعنى بأن ذكر اسم (القدير) تذكيرا للخلق أنهم إذا أصبحوا ذوي قدرة على الانتقام عمن ظلمهم، وأساء بحقهم، فإن (العفو) مطلوب منهم، وهذا أحد المعاني التي ذكرها العلماء في معاني إحصاء أسماء الله الحسنى وهو (التخلق بمكارم الأخلاق التي عامل الله بها عباده)؛ فينبغي على العبد أن يكون (عفوا) عمن أساء إليه بعد أن يتمكن منه ويقدر على النيل منه.