من أسماء الله الحسنى غافر، غفار، غفور - مقاماتها ودلالاتها في القرآن الكريم


للدكتور/ سعيد جمعة

الحمد لله، غافر الذنب، وقابل التوب، وساتر العيب، سبحانه يغفر ذنوبَ المذنبين كرماً، ويعفو عن المسيئين حلماً، يحب من عباده أن يستغفروه ليلاً ونهاراً، فيغفر لهم إنه كان غفاراً.

وأصلى وأسلم على من أرسل الله ُإليه قوله الكريم:

(نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الحجر:49)

وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا بحث بياني بعنوان: من أسماء الله تعالي (غافر، غفور، غفار) مقاماتها ودلالاتها في القرآن الكريم.

والمعلوم أن الله تعالي (وصف نفسه بكونه غافراً، وغفوراً، وغفاراً)، وبأن له غفراناً، ومغفرة. وعبر عنها بلفظ الماضي والمستقبل والأمر

كما أن للعبد أسماء ثلاثة فهو ظالم وظلوم وظلام.

ولله تعالي في مقابلة كل واحد من هذه الأسماء اسم. فكأنه تعالي يقول:

إذا كنت ظالماً فأنا غافر

وإذا كنت ظلوماً فأنا غفور

وإذا كنت ظلاماً فأنا غفار

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه 82

ولقد نبه الله تعالي في قرآنه الكريم على أسمائه الحسنى ليُعّرف بها ويدل بها عليه فقال

(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (لأعراف:180)

ومن الواجب على البحث البياني في كتاب الله تعالي – تبيان دلالة هذه الأسماء ومقاماتها وعلاقاتها بسياقاتها، ليكون الدعاء بها عن علم ومعرفة.

ولقد أرسي الإمام عبد القاهر – رحمه الله – مما أرسي من القواعد- أن الألفاظ لا تتمايز من حيث هي، ولا يفضل بعضها بعضاً حال انفرادها عن النظم، وبعدها عن التأليف، إلا من حيث الخفّة على اللسان، أو الثقل، والاستعمال، أو قلة الاستعمال.

فليس اسمه سبحانه (غفّار) أدل على الذات من اسمه سبحانه (غفور) أو (غافر)، فالكل دلالتهم على ذاته سبحانه سواء.

وهذا البحث معنىٌ في المقام الأول بدلالة كل اسم في سياقه، ومراد كل كلمة من خلال (مكانها في النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها .... وحسن الاتفاق بين هذه وتلك)

فهذا البحث ليس في بيان معاني بعض الأسماء المجردة المتشابهة المواد، إنما هو بحث في المقامات وأثرها في دلالة هذه الأسماء.

إنه بحث في العلاقات، والقرائن، والسياقات المتنوعة داخل السورة وداخل القرآن، وكيف تُشَكِّلُ هذه السياقات معاني هذه الأسماء؟

وغايتي في هذا البحث محاولة الكشف عن وجه من وجوه الإعجاز البياني التي لا حصر لها، من خلال علاقة كل اسم بسياقه ومقامه، وبيان وجه اصطفائه دون غيره، واصطفاء صيغته، ومكانه وإعرابه ... وغير ذلك، حتى ينكشف للقارئ باب من أبواب الإحكام في هذا الكتاب حيث قال ربنا سبحانه (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هود:1

منهج البحث

يعتمد هذا البحث على المنهج التحليلي الذي يبدأ بالنظر في الكليات العامة مثل مضمون السورة وسياقها، وما يشاع فيها.

ثم النظر في سياق الاسم خاصة، وما يحيط به.

ثم الوصول إلى دلالة الاسم من خلال هذه العائلة الدلالية الكبيرة ولقد اتبعت عدة خطوات في هذا التحليل ومنها:

1 - إحصاء أسماء الله تعالي، موضوع البحث (غافر – غفار – غفور).

2 - تصنيف هذه الأسماء من حيث الكثرة والقلة.

3 - تحليل كل اسم بداية بـ (غافر الذنب) حيث لم يرد إلا مرة واحدة، ثم (غفار) حيث ورد خمس مرات، ثم (غفور) حيث ورد إحدى وتسعين مرة.

4 - اعتمد التحليل على المقارنات بين الأسماء عند اقترانها بغيرها، حيث اقترن اسمه (الغفار) باسمه (العزيز) فقط.

أما اسمه الغفور فقد اقترن بستة أسماء وهي (الرحيم – الحليم – العزيز – العفوّ – الشكور – الودود).

5 - اعتمد التحليل أيضاً على بيان أثر الجملة في دلالة كل اسم، فقد يأتي الاسم خبراً لمبتدأ، وقد يأتي خبراً لكان، وقد يأتي خبراً (لإن) وقد يأتي مفعولاً، وقد يأتي مجروراً بحرف الجر ...... الخ.

6 - اعتمد التحليل أيضاً على بيان موقع كل اسم من التركيب ودلالة هذا الموقع من حيث التقديم والتأخير.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ من أسماء الله الحسنى غافر، غفار، غفور - مقاماتها ودلالاتها في القرآن الكريم

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day