من أسماء الله الحسنى: الوهاب الغني المعطي الجواد


الشيخ / وليد بن سالم الشعبان

من أسماء الله الحسنى: الوهاب الغني المعطي الجواد

الحمد لله الواهب الغني المعطي المنعوت بصفات الجلال والجمال والكمال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا نظير ولا مثال ، حث على ذكره بالغدو والآصال ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله زاكي الخلال ، والمنعوت بأشرف الخصال ، المرشد الهادي أمته من الضلال إلى سبيل الاستقامة والاعتدال. صلى الله وسلم عليه ، وعلى الأصحاب والآل ، وذويه وعترته ذوي الأفضال ، ومتبعي سنته عند تقلب الأحوال ، ما تعاقبت الأيام بالليال

أما بعد : فاتقوا الله ربكم وراقبوه وآمنوا به ووحدوه، واعلموا أن من أسمائه الحسنى الوهاب فربنا تبارك وتعالى هو الوهاب بحق إذ هو الذي يهب ما يملك وقد ورد اسم الوهاب قي ثلاثة مواضع من القرآن قال تعالى: 

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}

{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ}

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}

أيها المؤمن: معنى الوهاب من أسماء الله: كثير الهبة والمنة والعطية ,هو الذي يعطي بلا مقابل ولا ينتظر الرد .. أما هبة المخلوق فهي هبة مجازية لأنه يهب ما هو موهوب له من الله عز وجل , والله سبحانه بيده خزائن كل شيء وملكوت السماء والأرض ومقاليد الأمور فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن يعطي من يشاء ويمنع من يشاء لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع فهو سبحانه يهب لمن يشاء ما يشاء ولا تزال هباته على عبده متوالية وعطاياه متتالية في عطاء دائم وسخاء مستمر يجود بالعطاء قبل السؤال من حين وضع النطفة في الرحم فهباته للجنين دارّة يربيه أحسن تربية فإذا وضعته أمه عطف عليه والديه ورباه بنعمه حتى يبلغ أشده وهو سبحانه يهب ولا ينتظر منا رد المعروف لأنه ليس بحاجة إلينا أبدا وفي ذلك يقول عز وجل : 

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}

ويقول في الحديث القدسي 

{ يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا , يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا }

 فحين خلقنا عز وجل من العدم كان ذلك هبة منه جل وعلا .. فبدن الإنسان هبه .. وعقله هبة .. وسمعه هبة .. وبصره هبة .. وقلبه هبة , الكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان ... فالهواء الذي نتنفسه هبة .. والماء الذي نشربه هبة .. والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة .. والدواب التي تحملنا إلى الأماكن المتباعدة هبة .. الشمس التي تمدنا بالدفء والضوء هبة .. القمر الذي نسير على أشعته ليلاً هبة منه تبارك وتعالى , الرسالات السماوية التي يرسلها ليهدينا بها إلى سواء السبيل هبة منه جل وعلا .. الهداية والانتقال من الكفر إلى الإيمان هبة منه , وفي ذلك يقول جل شأنه : 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 

الزوج هبة من الله عز وجل لزوجته , والزوجة هبة لزوجها, والأطفال هبة للوالدين, وفي ذلك يقول جل وعلا : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}فعطاء الله عز وجل هبة , ومنعه هبة. ويجب على الإنسان أن يعتقد اعتقادا جازما بأن كل شيء هبة من الله تبارك وتعالى حتى تلك الأشياء التي نظن أننا نكتسبها بالأسباب .. ولو ظن الإنسان أن ما به من نعمة من كسبه وعمله ونسي فضل الله عليه فإن لا محالة سيفقد هذه النعمة .. وقد قرأنا ما فعل الله عز وجل بقارون حينما ادّعى أن ما به من نعمة قد جاءته بعلمه وعمله وذكائه وأنه مستَحق لتلك النعمة ونسي المُنعم جل وعلا ولم يكتفِ بأنه جحد المُنعم الموهب عز وجل ولكنه زاد تكبرا على الفقراء وفساداً في الأرض فخسف الله به وبداره الأرض وجعله عبرة لمن بعده

عباد الله : ورسل الله عليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم التسليم كانوا يدركون جيداً أن كل شيء موهوب من الله , لذلك كانوا في دعائهم يستخدمون الفعل "هب" دون غيره من أفعال الدعاء .. ومن هذه الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى : 

{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ}

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}

{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}

 والإنسان يجب أن يلجأ في كل طلب إلى الله عز وجل لأنه وحده هو الوهاب الذي يعطي بلا مقابل , كما أنه هو وحده الذي يملك خزائن كل شيء حتى تلك الأشياء التي نظن أنها بيد فلان من الناس

أيها الإخوة: ومن أسمائه عز وجل ( المعطي ) فهو سبحانه يعطي من يشاء ما يشاء كيف يشاء ويمنع من يشاء كيف شاء إذا شاء فهو يعطي لأنه الغني بذاته الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه فمن كمال غناه أنه لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين فلو آمن أهل الأرض كلهم جميعا ما زاد ذلك في ملكه شيئا ولو كفروا جميعا لم ينقص ذلك من ملكه شيئا قال تعالى {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.

ومن كمال غناه سبحانه تنزهه عن النقائص والعيوب فمن نسب إليه تعالى نقصاً فقد نسب إليه ما ينافي غناه قال جل وعلا {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ومن كمال غناه أن خزائن السموات والأرض بيده وأن جوده على خلقه متواصل آناء الليل والنهار وأن يديه سحاء كل وقت لا تنقصها نفقه , فمن عرف ربه بهذا الوصف العظيم عرف نفسه , من عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق ومن عرف ربه بالقدرة التامة عرف نفسه بالعجز التام

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله مالك الملك المعطي الجواد وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد ان محمداُ عبده ورسوله أما بعد :

أيها المؤمنون ومن أسماء الله الحسنى ( المعطي والجواد ) روى البخاري في صحيحه عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والله المعطي )واسمه تعالى الجواد جاء ذكره في مجموعة أحاديث يشد بعضها بعضا منها مارواه البيهقي في الشعب عن طلحة بن عبيد الله مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله جواد يحب الجود )

والمعطي هو المتفرد بالعطاء على الحقيقة لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع عطاؤه سبحانه كلام ومنعه كلام إذا أراد شيئا قال له كن فيكون .

عباد الله: الله سبحانه يحب من عباده أن يسألوه من فضله لأنه الملك الجواد أجود من سئل وأوسع من أعطى وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره { من لم يسأل الله يغضب عليه }فينبغي للعبد وقد عرف بعض فضل الله وجوده وعطائه وأن العطاء أحب إليه من المنع والعفو أحب إليه من الانتقام ينبغي له ألا يتعرض لغضب الرب سبحانه بفعل المعاصي وارتكاب النواهي بل يحرص على البعد عن كل ما يغضب الله جل وعلا فمن الضلال أن تسأل صاحب الجود والعطاء والفضل تسأله من خير الدنيا و الآخرة وأنت مقيم على معاصيه فاستح من ربك كما تستحي رجلا صالحا من قومك.

ونسأل الله الوهاب الغني المعطي الجواد أن يمن علينا بانشراح صدورنا لطاعته والأنس بقربه وأن يرزقنا من واسع فضله وجوده وكرمه وعفوه كما نسأله أن يرزقنا الأسباب التي تعيننا على نيل جوده وكرمه وعطائه فهو سبحانه نعم المسئول وهو خير الناصرين.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا ، اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم آمنّا في الأوطان والدور، وأصلح لنا الأئمة وولاة الأمور، اللهم وفقّهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ من أسماء الله الحسنى: الوهاب الغني المعطي الجواد

  • التعريف باسم الله (الغني)

    فريق عمل الموقع

    الغني: فلا يفتقر إلى شيء. فهو الغني بذاته، الذي له الغنى التام المطلق، من جميع الوجوه، والاعتبارات لكماله، وكمال

    19/05/2021 1089
  • المعطي جل جلاله

    عبد الله بن مشبب بن مسفر القحطاني

    العطاء: من أجل هباته.. والكرم: صفة من صفاته.. والجود: من أعظم سماته، فمن أعظم منه جوداً وكرماً وعطاءً؟!

    06/02/2023 560
  • (الحفي) هل هو من الأسماء الحسنى

    موقع/ إسلام ويب

    السؤال سؤالي جزاكم الله خير الدنيا والآخرة: هل من أسماء الله الحسنى الحفي؟ نرجو التفصيل . الإجابــة الحمد لله

    03/08/2021 1149
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day