اسم الله (الْوَاحِدُ ، الأَحَدُ )
الخطبة الأولى مع اسم الله ( الْوَاحِدُ ، الأَحَدُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
« إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.
ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العزيز: اسمه سبحانه (الْوَاحِدُ ، الأَحَدُ)
قال الله تعالى : (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) [الأنعام: 19]
( قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16]
(لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر: 16]
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } [سورة الإخلاص]
وعند النسائي (قال حَنْظَلَةُ بْنُ عَلِىٍّ أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الأَدْرَعِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْمَسْجِدَ إِذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ بِأَنَّكَ الْوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ غُفِرَ لَهُ ». ثَلاَثًا ).
وقد ورد في معاني (الْوَاحِدُ ، الأَحَدُ ) الكثير من أقوال العلماء والمفسرين ، ومنها :
أن معنى اسم الله (الواحد): هو الفرد والأول الذي لا نظير له ولا مثل ، فهو الواحد في ذاته لا شريك له، وهو الواحد في صفاته الأزلية فلا نظير له، وهو الواحد في أفعاله لا منازع له.
أي: أن الواحد هو الفرد المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله.
فهو واحد في ذاته، لا يتجزأ لا يتناهى.
واحد في صفاته، لا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء.
واحد في أفعاله لا شريك له.
وقد فُسر قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: ” وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ » .
يعني: يحب القلب المنفرد له تعالى.
وأما اسمه تعالى (الأحد) :فهو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر وهو المنفرد بوحدانيته في ذاته وصفاته
وأما الفرق بين (الواحد) و(الأحد) : فإن (الأحد) بني لنفي ما يذكر معه من العدد، تقول:
ما جاءني أحد،
وأما (الواحد) اسم بني لمفتتح العدد، تقول: جاءني واحد من الناس ولا تقول: جاءني أحد، فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير، والأحد منفرد بالمعنى.
وقيل أيضا: أن الواحد هو الذي لا يتجزأ ولا يثنى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل، ولا يجمع هذين الوصفين إلا لله تعالى.
فالواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر، وهو الفرد المتفرد في ذاته وصفاته وأفعاله وألوهيته، فهو واحد في ذاته لا يتجزأ أو لا يتفرق، أحد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
وهو واحد في صفاته لا شبيه له على الوجه اللائق به من غير أن يماثله أحد فيما يختص به وهو واحد في أفعاله ، فلا شريك له.
وهو واحد في ألوهيته لا معبود بحق إلا هو سبحانه وتعالى
والأحد هو الذي تفرد بكل كمال ومجد وجلال وجمال وحمد وحكمة ورحمة وغيرها من صفات الكمال، فليس له فيها مثيل ولا نظير ولا مناسب بوجه من الوجوه، فهو الأحد في حياته وقيوميته، وعلمه وقدرته، وعظمته وجلاله، وجماله وحمده، وحكمته ورحمته، وغيرها ، من صفاته، موصوف بغاية الكمال ونهايته، من كل صفة من هذه الصفات.
أيها المسلمون
فالمعنى في حقّ الله الواحد الأحد جلّ جلاله أنه هو الذي توحَّد بجميع الكمالات، وتفرَّد بكل كمال، وباين بأحديته جميع الموجودات، بحيث لا يشاركه فيها مشارك، فمن ذلك:
– أنه توحَّد في ذاته، في كمالها، وعظمتها، وعلوِّها على جميع الخلائق.
– الذي توحَّد في كمال صفاته، فكلها علا، لا نقص فيها، ولا مثيل لها، ولا أعلى منها، لأنها كلها صفات حمدٍ، وثناء، ومجد.
– وتوحَّد في كمال أسمائه، فكلها حسنى ليس فيها اسم سوء، فلا أحسن منها، ولا سمِيَّ له بها، وليس لها منتهى في عددها، وكمال متعلقاتها، لأنبائها عن أحسن المعاني، وأشرفها.
والواحد هو الذي توحَّد في كمال أفعاله، فكلُّها حكمة، وهدى، ليس فيها فعل خالٍ عن المصلحة، ملأت الخليقة عدلاً، ورحمة، وإحسانًا.
وهو الذي تفرَّد في أوَّليته في الوجود بلا ابتداء، وآخريَّته بالديمومة بلا انتهاء قال تعالى:
{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ } [الحديد: 3]
وهو المتفرِّد، لا مثيل، ولا شبيه، ولا عديل له، متوحِّد، لا شريك له، ولا صاحبة، ولا ولد.
وهو تعالى المتفرِّد عن كل نقص، وعيب، وسوء، لكماله على الإطلاق، والتمام والكمال، من كل وجه وفي كل حال. المنفرد في ربوبيَّته، فلا شريك له في ملكه، ولا معين، ولا منازع، ولا مغالب، المنزَّه عن الشريك في خصائصه وحقوقه.
وهو الواحد الأحد في ألوهيَّته، فهو الإله المعبود بحقٍّ، المتفرِّد في المحبَّة، والتعظيم، ليس له نِدٌّ، ولا ضِدٌ، ولا عديل.
وهو سبحانه الذي يوحده عباده، ويعتمدون عليه، ويقصدونه في جميع حوائجهم الدنيوية، والدينية.
وهو الذي لم يتفرّع عنه شيء، ولا تفرَّع هو عن شيءٍ، وليس له مكافئ من خلقه يساميه، أو يساويه، أو يقرب منه أو يدانيه، قال تعالى:
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } [الإخلاص]
واسمه تعالى : (الْوَاحِدُ ، الأَحَدُ ) أنهما يدلَّان على أعظم خصائص الربِّ جل جلاله، وهو توحيده تعالى الخالص في العبودية، لما تفرَّد به سبحانه من الألوهية، والرُّبوبية، وأسمائه الحسنى، وصفاته العليَّة، وهذا هو المقصد الأعلى، الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين، لكل البريَّة، (فالتوحيد) أوَّل دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم به السالك إلى الله،
فهو أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب، فالتوحيد: أول الأمر، وآخره).
وعندما يدرك المؤمن بأحديته تعالى، ووحدانيَّته في الوجود على الإطلاق، ينبغي له أن يوحد ربه في محبته، وخوفه، ورجائه، ودعائه، وكل عباداته، في ظاهره وباطنه، وبالجملة
(يجب على العبيد توحيده: عقدًا، وقولاً، وعملاً)،
(فإن حاجة العبد إلى توحيد الله تعالى في عبادته وحده لا شريك له، أعظم من حاجة الجسد إلى روحه، والعين إلى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظيرٌ تُقاسُ به، فإن حقيقة العبد روحه وقلبه، ولا صلاح لها، إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو).
فيا أيها المؤمن، أنت حينما تعبد الواحد القهار أنت أقوى الأقوياء، خالق السماوات والأرض، الواحد القهار هو معك، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك، أنت بالدعاء أقوى إنسان، وأنت إذا كنت مع الواحد القهار أنت عزيز.
اجعل لربك كلّ عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
الخطبة الثانية مع اسم الله ( الْوَاحِدُ ، الأَحَدُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الآثار الإيمانية بهذين الاسمين الكريمين:
أولاً: إن أعظم أثر وموجب لهذين الاسمين الجليلين الكريمين هو إفراده – سبحانه وتعالى – بالربوبية والإلهية وتوحيده سبحانه بأفعاله وصفاته وتوحيده بأفعال عباده.
فكما أنه واحد في ربوبيته – حيث هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء – فهو واحد في ألوهيته فلا إله إلا هو وحده لا شريك له.
وحينئذ يتحقق توحيد العبد لربه سبحانه ويتحقق إفراده – عز وجل – بجميع أنواع العبادة، حيث لا يستحق العبادة إلا هو وحده سبحانه.
وعندما يستقر هذا المعتقد في القلب فلابد أن يظهر ذلك في أقوال العبد، وأفعاله، وجوارحه كلها فلا يسجد، ولا يركع، ولا يصلي إلا لله وحده لا شريك له. ولا يرجو، ولا يدعو، ولا يسأل إلا الله – عز وجل – ولا يستغيث، ولا يستعين، ولا يستعيذ إلا بالله وحده، ولا يخاف، ولا يرهب، ولا يشفق إلا من الله وحده، ولا يتوكل إلا عليه وحده.
ثانيًا: تعلق القلوب بخالقها ومعبودها وتوجهها له وحده لا شريك له، لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء.
وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها وتقطع التعلق بمن لا يملكون شيئًا ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم؟ وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة وشركاء متشاكسين يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير، وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن يعبد إلهًا واحدًا هو الله – عز وجل – ومن تنازعه آلهة شتى يستعبدونه ويمزقونه.
ثالثًا: إفراد الله – عز وجل – بالتشريع والتلقي: فإن الإيمان بوحدانية الله – عز وجل – وأحديته توجب توحيده في الحكم والتحاكم والتلقي، قال عز وجل :
{ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } الأنعام 114
{ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } الأنعام 106
فمصدر التشريع والتلقي هو الله وحده. وكل تكليف يوجه إلى الإنسان يجب أن يكون في إطار ما شرعه الله – عز وجل – في كتابه الكريم ، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل:
« مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ » متفق عليه
فلا يملك أحد من العباد أن يزيد أو ينقص أو يبدل في شرع الله
والمقصود أن من موجبات الإيمان باسمه (الواحد، الأحد) إفراده سبحانه وحده بالتأله، والدعاء، والمحبة، والتعظيم، والإجلال، والخوف، والرجاء، والتوكل وجميع أنواع العبادة.
وهذا يقتضي إفراده – عز وجل – بالحب والولاء؛ قال سبحانه:
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ } الأنعام (14)