أقوال السلف والمفسرين في اسم الله (التواب)
أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في اسم الله (التواب):
1- قال ابن عباس - رضي الله عنهما- (التواب) المتجاوز لمن تَابَ.
ثانيًا: أقوال بعض المفسرين في تفسير اسم الله (التواب):
1- قال الطبري: في {التواب}: والتوبة معناها الإنابة إلى الله، والأوبةُ إلى طاعته مما يَكرَهُ من معصيته، قال أبو جعفر: وتأويل قوله:"إنه هو التواب الرحيم"، أن الله جل ثناؤه هو التوّاب على من تاب إليه - من عباده المذنبين - من ذنوبه، التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه. [تفسير الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، 1/547].
2- قال السمرقندي: {التواب}: المتجاوز لمن تاب. [بحر العلوم، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373هـ)، 2/86].
3- قال مكي بن أبي طالب: {التواب}: العائد في الفضل على عبادك، المتفضل بالغفران لذنوبهم، وتوبة الرب سبحانه على عبده عوده عليه بالعفو عنه عن جرمه وذنبه. [الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه، أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (المتوفى: 437هـ)، 1/447 – 448].
4- قال الماوردي: في {التواب}: والتوبة من العباد: الرجوع عن الذنب , والتوبة من الله تعالى: قبولها من عباده. [تفسير الماوردي - النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، المعروف بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، 1/215].
5- قال البغوي: {التواب}: التواب: الرجاع بقلوب عبادي المنصرفة عني إلي. [معالم التنزيل في تفسير القرآن - تفسير البغوي، محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى : 510هـ)، 1/194].
6- قال فخر الدين الرازي: {التواب}: القابل لتوبة كل ذي توبة فهو مبالغة في هذا الباب. [مفاتيح الغيب - التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، 4/142].
7- قال القرطبي: قال ابن العربي: ولعلمائنا في وصف الرب بأنه تواب ثلاثة أقوال : أحدها : أنه يجوز في حق الرب سبحانه وتعالى فيدعى به كما في الكتاب والسنة ولا يتأول ، وقال آخرون : هو وصف حقيقي لله سبحانه وتعالى وتوبة الله على العبد رجوعه من حال المعصية إلى حال الطاعة وقال آخرون : توبة الله على العبد قبوله توبته ، وذلك يحتمل أن يرجع إلى قوله سبحانه وتعالى قبلت توبتك وأن يرجع إلى خلقه الإنابة والرجوع في قلب المسيء وإجراء الطاعات على جوارحه الظاهرة. [الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) 1/325].
8- قال البيضاوي: {التواب}: المبالغ في قبول التوبة. [أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، 1/116].
ثالثًا: أقوال بعض أهل العقيدة في اسم الله (التواب):
صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة:
1- قال عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي الزجاجي، أبو القاسم (المتوفى: 337هـ): فالعبد تائب والله تواب، فإن قال قائل أفيجوز أن يقال: الله عز وجل تائب على عباده أي يقبل توبتهم كما قيل له عز وجل تواب؟
قيل له: ليس لنا أن نطلق على الله عز وجل من الصفات إلا ما أطلقه جماعة المسلمين وجاء في الكتاب وإن كان في اللغة محتملاً. [اشتقاق أسماء الله الحسنى، ص 63].
2- من فضائل التوبة : قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - :
- عبودية التوبة من أحب العبوديات إلى الله، وأكرمها عليه، فإنه سبحانه يحب التوابين، ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلي بالذنب أكرم الخلق عليه، فلمحبته لتوبة عبده ابتلاه بالذنب الذي يوجب وقوع محبوبه من التوبة، وزيادة محبته لعبده، فإن للتائبين عنده محبة خاصة.
- أن للتوبة عنده سبحانه منزلة ليست لغيرها من الطاعات، ولهذا يفرح سبحانه بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يقدر، كما مثله النبي صلى الله عليه وسلم بفرح الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض الدوية المهلكة، بعد ما فقدها، وأيس من أسباب الحياة، ولم يجئ هذا الفرح في شيء من الطاعات سوى التوبة، ومعلوم أن لهذا الفرح تأثيرا عظيما في حال التائب وقلبه، ومزيده لا يعبر عنه، وهو من أسرار تقدير الذنوب على العباد، فإن العبد ينال بالتوبة درجة المحبوبية، فيصير حبيبا لله، فإن الله يحب التوابين ويحب العبد المفتن التواب.
- عبودية التوبة فيها من الذل والانكسار، والخضوع، والتملق لله، والتذلل له، ما هو أحب إليه من كثير من الأعمال الظاهرة، وإن زادت في القدر والكمية على عبودية التوبة، فإن الذل والانكسار روح العبودية، ومخها ولبها.
- حصول مراتب الذل والانكسار للتائب أكمل منها لغيره، فإنه قد شارك من لم يذنب في ذل الفقر، والعبودية، والمحبة، وامتاز عنه بانكسار قلبه كما في الأثر الإسرائيلي: يا رب أين أجدك؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي، ولأجل هذا كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لأنه مقام ذل وانكسار بين يدي ربه.
- الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة من كثير من الطاعات، وهذا معنى قول بعض السلف: قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة، ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، إن قام وإن قعد وإن مشى ذكر ذنبه، فيحدث له انكسارا، وتوبة، واستغفارا، وندما، فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة، فلا تزال نصب عينيه، إن قام وإن قعد وإن مشى، كلما ذكرها أورثته عجبا وكبرا ومنة، فتكون سبب هلاكه، فيكون الذنب موجبا لترتب طاعات وحسنات، ومعاملات قلبية، من خوف الله والحياء منه، والإطراق بين يديه منكسا رأسه خجلا، باكيا نادما، مستقيلا ربه، وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولة، وكبرا، وازدراء بالناس الاحتقار، ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله، وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجب بطاعته.
- في قوله تعالى
{ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]
، وهذا من أعظم البشارة للتائبين إذا اقترن بتوبتهم إيمان وعمل صالح، وهو حقيقة التوبة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بهذه الآية لما أنزلت، وفرحه بنزول
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 1 - 2]
أن التائب قد بدل كل سيئة بندمه عليها حسنة، إذ هو توبة تلك السيئة، والندم توبة، والتوبة من كل ذنب حسنة، فصار كل ذنب عمله زائلا بالتوبة التي حلت محله وهي حسنة، فصار له مكان كل سيئة حسنة بهذا الاعتبار، فتأمله فإنه من ألطف الوجوه.
- أن ذنب العارف بالله وبأمره قد يترتب عليه حسنات أكبر منه وأكثر، وأعظم نفعا، وأحب إلى الله من عصمته من ذلك الذنب من ذل وانكسار وخشية، وإنابة وندم، وتدارك بمراغمة العدو بحسنة أو حسنات أعظم منه، حتى يقول الشيطان: يا ليتني لم أوقعه فيما أوقعته فيه، ويندم الشيطان على إيقاعه في الذنب.
[مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، 1/306 – 311].