أسماء الله الحسنى: (التواب)
الاشتقاقُ اللغوي:
التوبُ: الرجوعُ، يُقالُ: تابَ منْ ذنبِه؛ أي رجعَ عنه([1]).
وَتابَ إلى اللهِ توبةً وَمتابًا، وقدْ تابَ اللهُ عليه: وَفَّقَهُ لها([2]).
الأدلةُ مِنَ القرآنِ وَالسنةِ:
وردَ اسمُ التوابِ في القرآنِ في عدةِ مواضعَ؛ منها:
قوله تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]
وَقولُه تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10]
وَوردَ في السنةِ النبويةِ منْ حديثِ ابنِ عمرَ - رضيَ اللهُ عنهما - أنه قالَ:
(كانَ يُعَدُّ لرسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - فِي المجلسِ الواحدِ مائةُ مرةٍ منْ قبلِ أنْ يقومَ: رَبِّ اغفِرْ لِي وَتُبْ عليَّ إنَّكَ أنتَ التوابُ الغفورُ) [3] .
المعنى في حقِّ اللهِ تعالى:
يمكنُ إجمالُ معنى اسمِ اللهِ التواب فيمَا يلي:
1- أنَّ التوابَ: مِنْ أبنيةِ المبالغةِ على وزن فَعَّال، وَمعناه: بليغُ التوبةِ المُكَرِّرُ لها، فهوَ التوابُ على منْ تابَ إليه منْ عبادِه المذنبين منْ ذنوبِه، التاركُ مجازاتَه بإنابتِه إلى طاعتِه بعدَ معصيتِه بما سلفَ منْ ذنبِه.
فالتوبةُ مِنَ العبدِ إلى ربِّه: إنابتُه إلى طاعتِه، وَأوبتُه إلى ما يُرضيه بتركِه ما يُسْخِطُه مِنَ الأمورِ التِي كانَ عليها مقيمًا مما يكرهُهُ ربُّه، فكذلكَ توبةُ اللهِ على عبدِه هوَ أنْ يرزقَه ذلك، وَيتوبَ منْ غضبِه عليه إلى الرضا عنْه، وَمنَ العقوبةِ إلى العفوِ وَالصفحِ عنه([4]).
2- أنَّ التوابَ: (هوَ الذي يتوبُ على عبدِه ويقبلُ توبتَه، كُلَّمَا تكررتْ التوبةُ تَكرَّرَ القبولُ)([5]).
فالتوابُ: كثيرُ التوبِ، أي الرجوع على عبدِه بالمغفرةِ وَقبول التوبةِ؛ قَالَ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].
3- أنَّ توبتَه سبحانه على عبدِه نوعان: أحدُهما: أنَّه يُلْهِمُ عبدَه التوبةَ إليه ويوفِّقَهُ لتحصيلِ شروطِها مِنَ الندمِ وَالاستغفارِ وَالإقلاعِ عن المعصيةِ، وَالعزمِ على عدمِ العودِ إليها، وَاستبدالها بعملِ الصالحاتِ، وَالثاني: توبتُه على عبدِه بقبولِها وَإجابتِها وَمحوِ الذنوبِ بها(.
المعنى عندَ المخالفين وَالمناقشةُ وَالردُّ:
أوْ لأنَّه بليغٌ فِي قبولِ التوبةِ، مُنْزِلٌ صاحبَها منزلةَ مَنْ لمْ يُذْنِبْ قَط؛ لِسِعَةِ كَرَمِهِ([7]).
وَأنَّ اللهَ توابٌ على مَنْ تابَ وَلوْ عادَ فِي اليومِ مائةَ مرةٍ([8]).
ثانيًا ـ المعنى عندَ الأشاعرةِ:
التوابُ: الذي يرجعُ إنعامُه على مَنْ حَلَّ عقدَ إصرارِه مِنَ المذنبين، وَرجعَ إلى التزامِ الطاعةِ، وَالتوبَةُ: الرجوعُ([9]).
ومعنى التواب في وصفِ اللهِ تعالى، كونُه عائدًا بأصنافِ إحسانِه على عبادِه، وَذلكَ بأنْ يوفقَهم بعدَ الخذلانِ، ويعطيَهم بعدَ الحرمانِ، ويخفِّفَ عنهم بعدَ التشديدِ، ويعفوَ عنهم بعدَ الوعيدِ، وَيكشفَ عنهم أنواعَ البلاءِ، وَيفيضَ عليهم أقسامَ الآلاءِ، فهوَ تعالى ناسخُ المكروهِ بالمحبوبِ، وَقابلُ التوبةِ منَ الذنوبِ، وَكاشفُ الضرِّ عن المكروبِ([10]).
ثالثًا ـ المعنى عندَ الماتريدية:
التوابُ: هو المُوفِّقُ للتوبةِ([11]).
وَالتوابُ أيضًا: هوَ قَابِلُ التوبةِ([12]).
الهوامش:
() معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (1/357).
() رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا قام من المجلس، (3434)، (5/494)، وَقَالَ: حديث حسن صحيح غريب، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي، (781).
() ينظر: اشتقاق أسماء الله، الزجاجي، ص(62)، وجواهر الأفكار ومعادن الأسرار المستخرجة من كلام العزيز الجبار، ابن بدران، ص(184).
() شأن الدعاء، الخطابي، ص(90).
() ينظر: شرح النونية، الهراس، (2/101).
() ينظر: الكشاف، الزمخشري، (5/548).
() ينظر: المصدر السابق، (3/103).
() ينظر: الإرشاد، الجويني، ص(149).