الله الكريم الأكرم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الملكِ القدوسِ السلام، المحيطِ القديرِ العلاّم، وأشهد أن لا إله إلا الله الأكرمُ الجوادُ الكريم، المحسنُ الغفورُ الحليم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، عاش حياته زاهدا، وجاد حين اغتنى متعبدا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فالتقوى طريق الجنة، وإن من العجب أن نترك الطيبات حين ينهانا عنها الطبيب خشية ضررها ولا نترك خبائث المعاصي خشية النار:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]
عباد الرحمن: الإيمان في القلوب يضعف ويقوى، والإيمان كلما قوي زادَ إقبال المؤمن على الطاعات، ونَفَر من الذنوب، وأكثر من التوبات، فعلى المسلم أن يحرص على ما يزيد إيمانه، ومغذيات الإيمان كثيرة؛ من أعظمها: مجالس الذكر، ومن أعظم مجالس الذكر: الكلام عن أسماء الله وصفاته.
وحديثنا اليوم عن اسم من أسماء الله -سبحانه- لم يرد كثيرا في القرآن، فقد ورد ثلاث مرات في كتاب الله ولكننا نشاهد كثيرا آثار هذا الاسم في حياتنا كلها ونرجو أن نكون جميعا ممن يعيشون آثار هذا في جنة عرضها السموات والأرض.
حديثنا عن اسم الله الكريم، قال سبحانه:
(وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40]
وفي الحديث:
"إنَّ ربَّكم -تبارَكَ وتعالى- حيِيٌّ كريمٌ، يستحيي من عبدِهِ إذا رفعَ يديهِ إليهِ، أن يردَّهُما صِفرًا"(أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني(
سبحانه الكريم؛ إذا وعد وفى، و إذا قدر عفا. سبحانه الكريم؛ خلقنا من عدم وأمدّنا بأصناف الطيبات الكثيرة، فالأطعمة أنواع كاللحوم والفواكه وغيرها، وكل نوع أصناف، فمن أصناف الفواكه: البرتقال والتمر، وفي الصنف أشكال وألوان فكم أنواع التمور مثلا؟!
وسبحانه الكريم؛ يسر للناس المراكب في البر والبحر:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70]
عز وجل الكريم؛ أذِن بمناجاته كل وقت، بل يفرح بالسائلين ويجيب دعوة المضطرين ولو كانوا مشركين!
تعالى الحكيم الكريم؛ حين يدعوه الداعي قد يعطيه طلبه، وقد يصرف عنه شرا بتلك الدعوة أو يدخرها له في الآخرة، قالوا: يا رسول الله! إذن نكثر؟ قال: "الله أكثر".
جل وعز الكريم؛ يضاعف الحسنة عشرة أضعافها إلى أضعاف كثيرة حتى أن صدقة تمرة واحدة من كسب طيب تضاعف حتى تكون مثل الجبل!
جل وعز الكريم؛ يمنّ بالأرزاق على عباده ثم يستقرضهم ليأجرهم، ويعدهم بالخُلْف ليرغبهم، ويضاعف مثوبتهم إلى سبعين ألف بالمائة وأكثر، فسبحان الغني الرحيم الكريم!
جل وعز الكريم؛ يفرح بالتائبين ويمحو ذنوبهم ولو أسرفوا بل يبدل سيئاتهم حسنات!
وإن من أعظم إكرام الله للناس: تعليم الكتابة، وتعليمهم مصالح دينهم ودنياهم وإكسابهم القدرة والتوفيق لذلك.
واسم الله الأكرم لم يرِد إلا في موضع واحد:
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 3-5]
وكم يا ترى عدد المعلومات الهائلة في مختلف ألوان الفنون والعلوم والمعارف؟!
والأكرم أفعل تفضيل أي الأشد كرما، فكم تقذف المطابع؟ وكم تخرج دور النشر؟ وكم في مراكز البحوث والمعلومات ومواقع الانترنت من معلومات شرعية ولغوية وطبية وتاريخية وصناعية وتجارية وزراعية وإدارية؟!
إخوة الإيمان: لفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء فقط، بل الإعطاء من تمام معناه. ولذا تنوعت عبارات أهل العلم، فقالوا: الكريم، كثير الخير والعطاء.
وقالوا: الكريم الذي له قدر عظيم وشأن كبير.
وقالوا: المنزه عن النقائص والعيوب.
وقالوا: الذي يعطي لا لعوض.
وقالوا: الذي إذا وعد وفى وإذا قدر عفا.
وقالوا: الذي يعطي لغير سبب.
وقالوا: الذي يعطي من يحتاج ومن لا يحتاج، إلى غير ذلك مما قيل في هذا الاسم العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وصف كلامه بالكرم، فقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)[الواقعة: 77]، وأشهد أن لا إله إلا الله: (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)[المؤمنون: 116]، وعد عباده المؤمنين حقا، فقال:
(لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 4]
وصلى الله وسلم على محمد خاتم رسله وعلى آله وصحبه.
أما بعد: عباد الرحمن: فإن للإيمان باسم الله الكريم آثار على المسلم؛ منها:
محبة ربنا الكريم -سبحانه- على ما أسبغ من النعم الظاهرة والباطنة!
ومن الآثار: الحياء من الله والتأدب معه عز وجل، حيث أنه ومع كثرة معاصينا لم يمنع كرمه وعطاءه عنّا!
ومن آثار الإيمان باسم الله الكريم: شكر الله بالقلب واللسان والجوارح على ما أسبغ من نعم ظاهرة وباطنة في أبداننا ومطاعمنا ومشاربنا وغيرها كثير كثير.
ومن الآثار: التعلق بالله -سبحانه- والتوكل عليه فهو الغني الكريم المقتدر، لا نهاية لكرمه وهو القادر لا يعجزه شيء ولا يستكثر شيئا.
ومن آثار الإيمان باسم الكريم: التخلق بخلق الكرم والتحلي بالجود والسخاء فهو سبحانه كريم يحب الكرماء ، وخلق الكرم الذي يحبه الله ليس في الإسراف وتبذير الأموال.
ومن الآثار: كثرة دعاء الله والإلحاح في المسألة، وإن تأخر ما يدعو به المسلم فليحسن ظنه بربه فإنما مَنْع الكريم رحمة وحكمة، تأمل قول الحق -سبحانه-:
(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى: 27]
ختاما -عباد الرحمن-: أعظم أسباب نيل كرامة الكريم -سبحانه-: تقواه جل وعلا في السر والعلن، فالأكرم عنده سبحانه الأتقى من عباده؛ كما قال تعالى:
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]
ثم صلوا وسلموا...