الإحسان وأنواعه (3)
فمن أراد أن يسموَ بنفسه ويبلغ منزلة الإحسان فعليه أن يتحرى الأسباب التالية:
أولها: صدق النية في طلب الحق. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وقال أيضاً: "إن تصدق الله يصدقك".
ثانيها: طلب العلم الشرعي والاطلاع على سير الأنبياء والصالحين من سلف الأمة، لأن بطلب العلم الشرعي يتعرف الإنسان على ما يحب الله فيفعله وعلى ما يمقت الله فيجتنبه، وعلى سير المحسنين فيقتدي بهم.
ثالثها: الإكثار من دعاء الله تعالى أن يجعلك من المحسنين؛ قال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
رابعها: مصاحبة المحسنين. فالصحبة لها من التأثير على دين المرء وخلقه ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم عليه ينبه إلى دورها في حياة المسلم واستقامته. قال صلى الله عليه وسلم : "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل."
إن من التزم الإحسان أحبه الله تعالى ووعده بالجنة والنظر إلى وجهه الكريم؛ حيث قال سبحانه:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [ سورة البقرة - سورة 2 - آية.195 ] ، وقال أيضا: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [ وقد ثبت في "صحيح مسلم" عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تفسيرُ "الحسنى" بالجنة و"الزِّيادةِ" بالنّظرِ إلى وجهِ الله عز وجل ]. وتعني هنا "الحسنى" الجنة. أما "الزِّيادةِ" فتعني النّظر إلى وجهِ الله الكريم في الآخرة.
إن لإحسان العبادة مراتب عُلَى تعرف عليها سلفنا الصالح فتبوؤوا لأنفسهم منها منزلاً ودلوا الخلَف على ما يوصل إليها.
فها هو ذا إبراهيم بن أدهم يقول: "أعلى الدَّرجات أنْ تنقطعَ إلى ربِّك، وتستأنِسَ إليه بقلبِك، وعقلك، وجميع جوارحك حتى لا ترجُو إلاَّ ربَّك، ولا تخاف إلاَّ ذنبكَ، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئاً، فإذا كنت كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنت، أو في بحرٍ، أو في سَهْلٍ، أو في جبلٍ، وكان شوقُك إلى لقاء الحبيب شوقَ الظمآن إلى الماء البارد، وشوقَ الجائعِ إلى الطَّعام الطيب، ويكونُ ذكر الله عندكَ أحلى مِنَ العسل، وأحلى من المَاء العذبِ الصَّافي عند العطشان في اليوم الصَّائف."