اسم الله الأول والآخر
– كنت أقرأ سورة الحديد، وأولها:
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحديد: 1)
ثم في الآية الثالثة:
{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد: 3)
نظرت إليه أومأ برأسه ليكمل حديثه.
– لاحظت أن أسماء الله الحسنى هنا يفصلها حرف العطف (الواو) (الأول والآخر) مع أن معظم الآيات التي فيها ذكر للأسماء الحسنى لا تكون على هذه الهيئة مثل قوله:
{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ }(الحشر: 23).
– ملاحظة ممتازة، وما كنت أظن أن يسألني عنها أحد غيرك.
صاحبي (بوفيصل) أناديه بصاحب الأسئلة الدقيقة، وهو كذلك في معظم حواراتنا.
بالطبع تعلم أن هذا من جمال اللغة العربية ومقتضياتها التي أظن دون شك أنها أكثر اللغات دقة، تخاطب بها البشر؛ وحيث إنني غير متخصص باللغة العربية سوف أنقل لك ما قاله أهل اللغة.
أولاً لنبدأ بمثال سهل بسيط، إذا كان لبلد ما قاضٍ وخطيب وأمير، واجتمعت هذه في رجل واحد حسن الدين والخلق، فإنك تقول: زيد هو القاضي والخطيب والأمير؛ فيكون للعطف مزية ليست للنعت دون العطف؛ فهذه العبارة أبلغ في إثبات هذه الصفات من قولك: زيد القاضي الخطيب الأمير.
وبيان آخر أن هذه الأسماء الحسنى تدل على معانٍ متباينة، وربما متضادة، أو متقابلة؛ ولذلك أتى بحرف العطف (الواو) لتأكيدها، فإنك إذا قلت: هو (الأول)؛ فلا ينصرف ذهنك إلى هذه الصفة دون ما يقابلها (الآخر)؛ فهو (الأول) و(الآخر)، أما الأسماء الأخرى فإنها تدل على معان متقاربة، فإنك إذا قلت: (الغفور) انصرف ذهنك إلى (الرحيم)، وإذا قلت: (السميع) انصرف ذهنك إلى (البصير)، أو (العليم)، وإذا قلت: (العزيز) انصرف ذهنك إلى (الحكيم)، وهكذا، تدل هذه الأسماء على صفات متكاملة، يأتي بعضها بعد بعض، أو يكمل بعضها بعضا، أو يقتضي بعضها بعضا.
قاطعني.
– أحتاج إلى شرح أبسط، المثال الذي ذكرته في البداية كان أسهل في الفهم.
– دعني أذكر لك مثالا آخر.
إذا كان لرجل أربع صفات قليلا ما تجتمع في رجل، وكان المخاطب لا يعلم ذلك، فإذا قلت: زيد عالم، انصرف الذهن إلى هذه الصفة دون غيرها، ثم تقول: وجواد، أي: وهو مع ذلك جواد، ثم تقول: وشجاع، وأمير، فإنك أثبت هذه الصفات بطريقة مؤكدة وأعطيت كل صفة حقها، هكذا هي اللغة، ولله الأسماء الحسنى والمثل الأعلى؛ فعندما تقول: هو (الأول) و(الآخر) فإن الله يثبت لنفسه اسم (الأول) واسم (الآخر) رغم ما يتبادر إلى الذهن من تضاد الصفتين اللتين يدل عليهما الاسمان.
– جميل.
– وهذا وارد في كتاب الله في مواضع عدة، مثل قوله تعالى في سورة النجم:
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴿43﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} (النجم: 43 – 44)
}(النجم: 48)، وفي اللغة قاعدة تقول: «كلما كان التغاير أبين كان العطف أحسن».
أظهر صاحبي استحسانه،
– ما أجمل أن يعرف المرء شيئا من جمال اللغة.
والآن دعنا نتكلم عن معنى (الأول والآخر) في تفسير (ابن عثيمين)، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم (الأول) الذي ليس قبله شيء؛ فكل الموجودات بعد الله فليس معه أحد، ولا قبله و(الآخر) الذي ليس بعده شيء.
فيتعبد المرء باسم الله (الأول) فلا يتعلق بالأسباب، بل بالمسبب الله سبحانه وتعالى؛ فكل شيء من الله ابتداء حتى كان الله ولم يكن شيء؛ فيكون افتقاره إلى الله وحده يتعبد الله باسم (الآخر) بأن يؤمن بفناء كل شيء وذهابه؛ فلا يركن إلى المخلوقات من أشخاص أو أقوال أو متاع ويتعلق قلبه بالله وحده.
– في الأثر عن سماك بن الوليد، قال: سألت ابن عباس.
– ما شيء أجده في صدري؟
– قال: ما هو؟
– قلت: والله لا أتكلم به.
– قال: أشيء من شك (وضحك) قال: ما نجا من ذلك أحد، إذا وجدت ذلك فقل: «هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم» (حسنه الألباني) (أبو داود).