التعبد باسم الله (الآخر)
1- إفراده سبحانه بالتوحيد:
وذلك بالتوجه إليه وحده وعدم التفات القلب لغيره، فتجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه ولا مطلوب لك وراءه، فكما ابتدأ وجودك، وخلقك منه؛ فاجعله نهاية حبك وإرادتك ، وتألهك إليه، لتصح لك عبوديته باسمه (الآخر)، إِليه ينتهى الأمر حيث تنتهى الأَسباب والوسائل فهو أَول كل شيء وآخره، وكما أَنه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه، فهو إلهه وغايته التى لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال إِلا بأَن يكون هو غايته كما أنه لا وجود له إلا بكونه وحده هو ربه وخالقه وكذلك لا كمال له ولا صلاح إلا بكونه تعالى وحده هو غايته وحده ونهايته ومقصوده.
2- قال ابن القيم رحمه الله: عبوديته باسمه (الآخر): تقتضى عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها فإنها تعدم لا محالة وتنقضى بالآخرية، ويبقى الدائم الباقى بعدها:
فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضى، والتعلق بالآخر عز وجل تعلق بالحى الذى لا يموت ولا يزول فالمتعلق به حقيق أَن لا يزول ولا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به، كذا نظر العارف إِليه بسبق الأَولية حيث كان قبل الأَسباب كلها، فكذلك نظره إِليه ببقاء الآخرية حيث يبقى بعد الأسباب كلها، فكان الله ولم يكن شيء غيره، وكل شيء هالك إلا وجهه.
3- أَكثر الخلق تعبدوا له باسمه الأَول، وإِنما الشأْن فى التعبد له باسمه الآخر:
فهذه عبودية الرسل وأَتباعهم، فهو رب العالمين وإِله المرسلين سبحانه وبحمده.
[طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم 1/19- 20].
4- التوجه إليه وحده وعدم التفات القلب لغيره:
فكما أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته تعالى وتقدس فكذا لن يبق إلا ما أريد به وجهه وكل ما كان لغيره يضمحل وهو أحد التفسيرين في قوله
(كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [سورة القصص 88]
فكل الأعمال أخبر بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة.
5- أن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه ولا مطلوب لك وراءه:
فكما انتهت إليه الأواخر وكان بعد كل آخر فكذلك اجعل نهايتك إليه، فإن إلى ربك المنتهى، انتهت الأسباب والغايات فليس وراءه مرمى ينتهي إليه طريق.
6- أن العبد إذا علم أنه من جملة من كتب الله عليهم الفناء دعاه ذلك إلى أن يبادر بالتوبة قبل أن ينزل به ما لا طاقة له على دفعه:
ويقوده ذلك إلى التسليم له سبحانه حين يقضي على العبد بفوت صفقة، وخسارة تجارة، ولا يتسخط على الرب في قضائه حيمنا يقضى على حبيب له بموت قد كتبه على الخلائق أجمعين
روى ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار كان بن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادى بصوت حزين فيقول أين أهلك ثم يرجع إلى نفسه فيقول ،
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة القصص 88]