الواجب اعتقاد أن الله تعالى في السماء
السؤال:
بارك الله فيكم. هذه رسالة من المستمع عبد الله الفؤاد من بيروت لبنان قال: سمع إجابة عن سؤال في برنامجنا هذا؛ السائل يسأل: أين الله؟ فأجيب بأنه في السماء. واستشهد المجيب على ذلك بآيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾. ولكن يبدو أن هذا الأخ قد استشكل هذه الإجابة ولم تطابق مفهومه الذي كان يعتقده، فأرسل يستفسر حول ذلك، فليتكم توضحون له الحقيقة حول هذا الموضوع.
الجواب:
الشيخ: الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء كما ذكر الله ذلك عن نفسه في كتابه حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير﴾
وكما شهد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقر الجارية التي سألها أين الله، قالت: في السماء. قال: أعتقها فإنها مؤمنة. وكما أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم في أعظم مجمع من أمته يوم عرفة حين خطب الناس خطبته الشهيرة، فقال: ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد. وجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس. فهذا دليل من القرآن ومن السنة على أن الله في السماء، وكذلك دليل العقل أن الله في السماء، فإن السماء علو، والعلو صفة كمال، والرب سبحانه وتعالى قد ثبت له صفة الكمال، فكان العلو من كماله تبارك وتعالى، فثبت له ذلك عقلاً. كذلك في الفطرة؛ فإن الناس مفطورون بأن الله تعالى في السماء، ولهذا يجد الإنسان من قلبه ضرورة لطلب العلو حينما يسأل الله شيئاً، حينما يقول: يا رب. لا يجد في قلبه التفات يميناً ولا يساراً ولا أسفل، وإنما يتجه قلبه إلى العلو بمقتضى الفطرة التي سلمت من إشكال الشياطين. وما من أحد يصلي فيقول في سجوده سبحان ربي الأعلى إلا وهو يشعر بأن الله تعالى في السماء. وقد انعقد إجماع السلف على ذلك كما ذكر الأوزاعي وغيره. وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة كل هذه الأدلة قد تطابقت على أن الله تعالى في السماء، وأنه جل وعلا عالٍ بذاته كما أنه عالٍ بصفاته. ولكن يجب أن يعلم أن كونه في السماء لا يعني أن السماء تظله، وأنها محيطة به؛ فإن الله تعالى أعظم من أن يظله شيء من خلقه وهو سبحانه وتعالى غني عما سواه، وكل شيء مفتقر إليه سبحانه وتعالى، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويسمك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فلا يمكن أن تظله السماء. وعلى هذا فيزول المحظور الذي أظن أنه قد شبه على هذا السائل بأنه إذا قلنا بأن الله في السماء لزم أن تكون السماء مظلة له عز وجل، وليس الأمر كذلك، فإن قال قائل: قوله في السماء قد يفهم أن السماء تحيط به؛ لأن في للظرفيه، والمظروف يكون الظرف محيطاً به. فالجواب أن ذلك ليس بصحيح؛ لأن السماء بمعنى العلو، وأن السماء بمعنى العلو قد ورد في القرآن كما في قوله تعالى: ﴿أنزل من السماء ماء﴾ والسماء ينزل منه السحاب، والسحاب مسخر بين السماء والأرض، فيكون معنى قوله (أنزل من السماء) أي أنزل من العلو؟ ويكون معنى قوله (أمنتم من في السماء) أي: من في العلو. وهناك وجه آخر بأن نجعل في بمعنى على، ونجعل السماء هي السماء لسقف محذوف، ويكون معنى (من في السماء) أي: من على السماء. وإذا كان عالياً عليها فلا يلزمها أن تكون محيطة به، ولا يمكن أن تكون محيطة به. وفي تأتي بمعنى على كما في قوله تعالى: ﴿لنفسد في الأرض﴾ أي: على الأرض، وكما في قوله تعالى عن فرعون: ﴿ولأصلبنكم في جذوع النخل﴾ أي على جذوع النخل. كل هذا يزول الإشكال والوهم الذي قد يعتري من لم يتدبر دلالة الكتاب والسنة في هذه المسألة العظيمة. ولا ريب أن من أنكر أن الله في السماء فهو مكذب بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين وإجماع السلف، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يتدبر دلالة الكتاب والسنة على وجه مجرد عن الهوى ومجرد عن التقليد حتى يتبين له الحق ويعرف أن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يشرك به شيء من مخلوقاته. أما قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) فإن الاستواء بمعنى العلو كما في قوله تعالى:
﴿لتستووا على ظهورها ثم تذكروا نعمة ربكم﴾
أي: تعلو عليها، وكما في قوله تعالى:
﴿فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك﴾
أي: علوت. فالاستواء في اللغة العربية بمعنى العلو، ولا يرد بمعنى الاستيلاء والملك أبداً، ولو كان هذا صحيحاً لبينه الله عز وجل في القرآن ولو في موضع واحد. والاستواء والعرش ذكر في القرآن في سبعة مواضع، ما فيها موضع واحد عبر عنه بالاستيلاء أبداً، ولو كان بمعنى الاستيلاء لعبر عنه في بعض المواضع حتى يحمل الباقي عليه، وإن لم يكن بينت السنة وليست هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد يدل على أن الاستواء -أي أن استواء الله على عرشه- بمعنى استوائه عليه، وليس في كلام السلف الصالح والأئمة على أن استواء الله عليه -استوى الله على العرش- بمعنى استيلائه عليه، والمعروف عنهم أنه بمعنى العلو والاستقرار والارتفاع والصعود، هكذا نقل عن السلف، وعلى هذا فيكون المعنى الصحيح على قوله تعالى:
﴿الرحمن على العرش استوى﴾
وما أشبهها من الآيات؛ أي: الرحمن على العرش علا علواً خاصاً يليق بجلاله تبارك وتعالى، ولا يستلزم ذلك أن يكون الله تعالى محتاجاً إلى العرش، بل إنه لا يخفى لذلك أيضاً، فإنه قد علم أن الله تعالى غني عما سواه، وأن كل ما سواه محتاج إليه، فنرجو من الأخ السامع للجواب الأول أن يضيف إليه أيضاً هذا الجواب حتى يتبين له الحق وأن يجرد نفسه قبل كل شيء من التقليد حتى يكون قلبه سليماً على الفطرة التي فطر الله الناس عليها.