أسماء الله الحسنى – اسم الله “البصير”
“البصير” من أسماء الله الحسنى
قال الله تعالى
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:61]
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر:20]
وعن أبي موسى الأشْعري -رضي الله عنه- قال:
“كنَّا مع النَّبي في سفَر، فكنَّا إذا علوْنا كبَّرنا، فقال النَّبيّ: أيُّها الناس، ارْبَعُوا على أنفُسِكم؛ فإنَّكم لا تدْعون أصمَّ ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا”(رواه البخاري:6384، واللفظ له، ومسلم:2704).
ومعنى “البصير”: هو الذي يبصر الأشياء كلها؛ ظهرت أو خفيت، دقت أو عظمت، أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسموات؛ فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة، وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها، وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقتها.
قال ابن القيّم:
وَهُوَ البَصِيرُ يَرَى دَبِيبَ النَّمْلَةِ السْـ *** سَوْدَاءِ تَحْتَ الصَّخْرِ وَالصَّوَّانِ
وَيَرَى مَجَارِي القُوتِ فِي أَعْضَائِهَا *** وَيَرَى عُرُوقَ بَيَاضِهَا بِعِيَانِ
وَيَرَى خِيَانَاتِ العُيُونِ بِلَحْظِهَا *** وَيَرَى كَذَاكَ تَقَلُّبَ الأَجْفَانِ
والله -تبارك وتعالى- بصيرٌ بأحوال عباده، بصير بِمَن يستحقُّ الهداية منهم ممَّن لا يستحقُّها، بصير بمن يصلح حاله بالغِنَى والمال وبمن يفسد حاله بذلك, قال -تعالى-:
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:27]
وهو بصير بالعباد شهيدٌ عليهم، الصَّالح منهم والفاسق, قال -تعالى-:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن:2]
بصير بأعمالِهم وذنوبهم, قال -تعالى-:
{وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء:17]
وسيَجزيهم عليها أتمَّ الجزاء.
أخي المسلم: إن معرفة العبد بربه، وإيمانه بسمعه وبصره تجعله يدرك رقابة الله -تعالى- عليه في كل حال؛ ولذا تراه يِحفظ الجوارح وخطرات القلوب من الذنوب والمعاصي، وعن كلِّ ما لا يُرْضِي الله؛ لعلمه بأن الله يراه في كل وقت وحين، ولله در القائل:
إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل: عليَّ رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفلُ ساعةً *** ولا أنَّ ما تُخفي عليه يغيبُ
فمن عَلِم أن ربَّه بصيرٌ مُطلعٌ عليه استحى أن يراه على معصية أو فيما لا يُحب، قال -تعالى-:
{وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء:17]
ومن عَلِم أن الله يراه أحسن عمله وعبادته وأخلص فيها لربِّه؛ لعلمه أن ربَّه من فوق عرشه بصير بعبادته مطلع على إخلاصه ونيته، قال -تعالى-:
{وَقُل اعْمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلكُمْ وَرَسُولهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عَالمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلونَ} [التوبة:105]
وإذا داوم العبد على تلك المراقبة، بلغ أعلى مراتب الإيمان، كما جاء في حديث جبريل -عليه السلام- عند ما سأل النبي:
“ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” (رواه البخاري:50، ومسلم:9).
وإذا كانت المعرفة باسم الله “البصير” من شأنها أن تصل بالعبد إلى مقام الإحسان، فإن هذا الأخير يورّث عند العبد حبّ الإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه، سواء كان عملا دنيويا أم أخرويا، وفي الحديث: “إن الله -تعالى- يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”(حسنه الألباني في صحيح الجامع:1880).
العلم باسم الله “البصير” يجعل المؤمن طيّب البال، مرتاح النفس، راضيا بقضاء الله وقدره، مهما ظلمه الظالمون أو أخطأ في حقه المخطئون، أو استهزأ به المستهزئون؛ فإن الله -سبحانه- مطلع على ذلك، قال الله لموسى وهارون -عليهما السلام- حينما أمرهما بالذهاب إلى فرعون: {إنَّني مَعَكُمَا أسْمَعُ وَأَرى} [طه:46]؛ فالله -تعالى- هو السميع البصير، وفي هذا عزاء للمؤمنين ومواساة للمظلومين.
وإن خشيته -تعالى- في السِّرِّ والعلانية، في الغَيب والشهادة هي أعظم ثمرة من إيماننا بأن الله يرانا على كلِّ حال؛ فكيف نَعْصيه مع عِلْمنا باطِّلاعه عليْنا؟! قال -تعالى-:
{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218-219]