شرح أسماء الله الحسنى البصير
أولا / المعنى اللغوي :
البصر في حق الخلق: حاسة الرؤية ، والبصيرة: العلم والفطنة.
و”البصير” من صيغ المبالغة على وزن فعيل، ورجل بصير بالعلم: عالم به
ثانيا / المعنى في حق الله تعالى
البصير هو الذي أحاط بصره بجميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة ، الذي يرى الأشياء كلها ظهرت أو خفيت، دقت أو عظمت .
وإبصاره منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان ، أو ناتج عن انطباع الصور والألوان ؛ كما هو الحال في الإنسان .
ثالثا / وروده في القرآن الكريم والسنة المطهرة :
ورد هذا الاسم “البصير” في أكثر من خمسين آية، ورد معرفاً بأل وورد منوناً، وورد مقترناً باسم السميع والخبير، وورد غير مقترن، فمن الآيات التي ورد فيها :
قوله تعالى :
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الإسراء 1
وقوله تعالى :
﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ الحج
وقوله تعالى
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 61]
{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]
وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233]
﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ الملك: 19
ورود اسم البصير في السنة الشريفة:
عن أبي هريرة ( إنَّكْم لا تَدْعُونَ أصَمَّا، ولا غَائِبا، إنكم تَدْعُونَ سَمِيعا بَصِيرا ) أخرجه البخاري ومسلم
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل :
“والله بصير بالعباد” :
فهو سبحانه بصير بأعمالهم وحركاتهم ، فلا يغيب عنه شيء من أعمالنا ، ونلاحظ أن الله سبحانه أخبر أنه بصير بالعباد ولم بقل عليم بالعباد لأن عليم تكون للأمور العقدية أما صفة البصر لا تأتي إلا لإدراك حركة وسلوك.
فإذا أيقنا أنَّ الله بصيرٌ، حملَنا ذلك على حِفْظ الجوارح وخطرات القلوب عن كلِّ ما لا يُرْضِي الله، وحملَنا أيضًا على خشْيته في السِّرِّ والعلانية، في الغَيب والشهادة؛ لأنَّه يرانا على كلِّ حال، فكيف نَعْصيه مع عِلْمنا باطِّلاعه عليْنا؟! قال تعالى:
﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218-219]
والله – تبارك وتعالى – بصيرٌ بأحوال عباده، خبير بصير بمن يصلح حاله بالغِنَى والمال وبمن يفسد حاله بذلك؛ قال تعالى:
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27]
وهو بصير بالعباد، شهيدٌ عليهم، الصَّالح منهم والفاسق؛ قال تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [التغابن: 2]
بصير خبير بأعمالِهم وذنوبهم؛ قال تعالى:
﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 17]
وسيَجزيهم عليها أتمَّ الجزاء.
“فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون “
فالله يبصر كل شيء ؛ فلا تتوقف رؤياه على جهة لأنه بكل شيء محيط وهو فوق الجهات جميعا ، فالإنسان يرى أمامه ولا يرى خلفه ، يرى يمينا ولا يرى شمالا ….أما عند الله فلا أمام ولا خلف فهو جلَّ جلالُه – الَّذي قد كمل في بصره، فأحاط بجميع المبْصَرات في أقطار الأرض والسَّموات، حتَّى أخفى ما يكون فيها، فيرى دبيبَ النَّملة السَّوداء، على الصَّخرة الصمَّاء، في اللَّيلة الظَّلماء، وجَميع أعضائها الباطنة والظَّاهرة، وسريان القوت في أعضائِها الدَّقيقة، ويرى سرَيان المياه في أغصان الأشْجار وعروقِها، وجميع النَّباتات على اختلاف أنواعها وصِغَرها ودقَّتها، ويرى نياط عروق النَّملة والنَّحلة والبعوضة وأصغر من ذلك، ويَرى خيانات الأعيُن، وتقلُّبات الأجفان، وحركات الجنان، ويرى ما تحت الأرَضين السَّبع، كما يرى ما فوق السَّماوات السَّبع، فسبحان من تحيّرت العقول في عظمته.
قال ابن القيّم – رحمه الله -:
وَهُوَ البَصِيرُ يَرَى دَبِيبَ النَّمْلَةِ *****السَوْدَاءِ تَحْتَ الصَّخْرِ وَالصَّوَّانِ
وَيَرَى مَجَارِي القُوتِ فِي أَعْضَائِهَا ****وَيَرَى عُرُوقَ بَيَاضِهَا بِعِيَانِ
وَيَرَى خِيَانَاتِ العُيُونِ بِلَحْظِهَا *****وَيَرَى كَذَاكَ تَقَلُّبَ الأَجْفَانِ
وقال آخر :
يَا مَنْ يَرَى مَدَّ البَعُوضِ جَنَاحَهَا ****فِي ظَلْمَةِ اللَّيْلِ البَهِيمِ الأَلْيَلِ
وَيَرَى نِيَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَا ****وَالمُخَّ مِنْ تِلْكَ العِظَامِ النُّحَّلِ
امْنُنْ عَلَيَّ بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا**** مَا كَانَ مِنِّي فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ
النياط: الفؤاد، والنياط عرق علق به القلب من الوتين
خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل :
1- إثبـــــات صفة الإبصار لله جلَّ شأنه:
وهي صفة ثابتة لله عزَّ وجلَّ نؤمن بها ولا ندري كيفيتها .. فهو سبحانه {.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .. وصفة البصر من صفات الكمال كصفة السمع.
2- دوام الحيـــاء والمراقبة :
قال تعالى
{وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 17]
.. فمن عَلِم أن ربَّه بصيرٌ مُطلعٌ عليه، يراه حيث كان وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته واستحضر ذلك في خلواته أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر ، وهو علامة كمال الإيمان .
وكان وهب بن الورد يقول :خف الله على قدر قدرته عليك واستحي منه على قدر قربه منك .
وقال له رجل عظني فقال له :اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك .
وسئل الجنيد بم يستعان على غض البصر ؟ قال : بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظر إليه.
وكان الإمام أحمد ينشد :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب *** وأن غدا إذا للناظرين قريب
3- بلوغ مرتبة الإحسان :
وإذا داوم العبد على تلك المراقبة، بلغ أعلى مراتب الإيمان .. كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي : ما الإحسان؟، قال “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” [متفق عليه]
فيجب على العبد أن يراقب ربَّه في جميع أحواله، ويوقن أن ربَّه سبحانه وتعالى من فوق عرشه بصيرٌ به .
قال النَّووي – رحمه الله -: “هذا من جوامع الكلِم الَّتي أُوتيها – صلَّى الله عليْه وسلَّم – لأنَّا لو قدرنا أنَّ أحدنا قام في عبادة وهو يُعايِن ربَّه – سبحانه وتعالى – لَم يترك شيئًا ممَّا يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحُسْن السَّمت، واجتماعه بظاهره وباطنه، وعلى الاعتِناء بتتْميمها على أحسن وجوهِها إلاَّ أتى به”