الشبَهات حول اسم الله (البَر)


فريق عمل الموقع

الشبهة الأولى:

يحب الله التخلق بالبر وقال تعالى:

{لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} [البقرة ١٧٧]

فهناك ثمة خطأ في التركيب - معاذ الله من هذا القول - في قوله تعالى: {ولكن البرَ من آمن بالله} إذ جاء باسم الفاعل (آمن) بدل المصدر ( برُّ ) وأن الأصوب - حسب هذا الزعم - أن يقال: ولكن البر أن تؤمنوا بالله؟! لأن البر هو الإيمان، لا مَن آمن!

الرد عليها:

أولاً: إن القرآن الكريم ليس كلام بشر، يخضع لمعايير النقد اللغوي وغيرها، إذ هو كلام رب العالمين:

{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42)

فإذا كان هذا شأنه فلا يصح فيه ما يصح في كلام الناس، بل هو الحَكَم والقاعدة في كلام الناس.

ثانيًا: إن قوله تعالى: {ولكن البر من آمن بالله} (البر) ها هنا: اسم جامع للخير، والتقدير كما قال أهل العلم: ولكن البرَ برُّ من آمن، فحُذف المضاف؛ وهذا جائز ومعهود في اللغة، كما قرر ذلك النحويون، إذ قالوا: "يجوز أن يُحذف ما عُلم من مضاف أو مضاف إليه...ثم أضافوا فقالوا: إن كان المحذوف المضاف، فالغالب أن يخلفه في إعرابه المضاف إليه " وهذا كقوله تعالى: {واسأل القرية} (يوسف:82) أي: واسأل أهل القرية، إذ القرية لا تُسأل عقلاً ولا شرعًا؛ وكقوله أيضًا: {وأُشربوا في قلوبهم العجل} (البقرة:93) أي: وأُشربوا في قلوبهم حُبَّ العجل، إذ يستحيل عقلاً وواقعًا شرب العجل! ومن هذا الباب، قوله تعالى في غير آية: {وعملوا الصالحات} أي: وعملوا الأعمال الصالحات. وهذا أسلوب معهود في القرآن الكريم، لمن كان على بسطة من العلم بأسلوبه، وهو أيضًا أسلوب جارٍ على سَنَن اللغة العربية؛ قالت الخنساء تصف ساحات المعركة:

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار

أي: ذات إقبال، وذات إدبار .

وقال النابغة:

وكيف تواصل من أصبحت         خلالته كأبي مرحب

أي: كخلالة أبي مرحب، فحذف المضاف (الخلالة) واكتفى بما دلَّ عليه، وهو المضاف إليه (أبو مرحب) وهو كنية الظل.

قال الزمخشري في تفسيره "الكشاف": {ولكن البرَ من آمن بالله} أي: ولكن البر الذي ينبغي أن يُهتم به، برُّ من آمن بالله.

ويُجاب أيضًا على هذه الشبهة، بأن كلمة: {آمن} في الآية الكريمة، ليست اسم فاعل، كما تعلق بذلك أصحاب هذه الشبهة، بل هي فعل ماضٍ، واسم الفاعل من هذه المادة إنما هو (مؤمن).

وقيل أيضًا في توجيه الآية: ولكن ذا البر، كقوله تعالى: {هم درجات عند الله} (آل عمران:163) أي: ذوو درجات. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وفرضت الفرائض، وصرفت القبلة إلى الكعبة، وحدَّت الحدود، أنزل الله هذه الآية، فقال: ليس البر كله أن تصلُّوا ولا تعملوا غير ذلك، ولكن البر -أي: ذا البر- من آمن بالله، إلى آخرها، قاله ابن عباس وغيره.

ويجوز عند بعض أهل العلم أن يكون البر هنا، بمعنى: البار، إذ اسم الفاعل قد يكون بمعنى المصدر، كما يقال: رجل عدل، وصوم، أي: ذو عدل، وذو صوم؛ وفي التنـزيل، قوله تعالى: {قل أريتم إن أصبح ماؤكم غورًا} (الملك:30) أي: غائرًا، ويؤيد هذا التوجيه قراءة من قرأ: ولكن (البار).

إذا تبين هذا، عُلم أن هذا الأسلوب القرآني لا مأخذ عليه، وأن ما فعلناه هنا هو من باب مجاراة المعترض في اعتراضه فحسب، وإلا فالأصل عدم اعتبار أي اعتراض يوجَّه إلى كتاب الله الكريم، إذ هو كلام رب العالمين: {ومن أصدق من الله حديثا} (النساء:87).

الشبهة الثانية:

تخلق المسلمين بخلق البر أمر يحبه الله البَر فهل لنا أن نبر غير المسلمين؟

الرد عليها:

البر بغير المسلمين منهج إلهي

ينبع جمال المنهج الإلهي في البر بغير المسلمين من كونه ليس قانونًا بشريًّا يصطلح الناس على إقراره أو إلغائه، ولكن من كونه قانونًا إلهيًّا سماويًّا، يتعبد المسلمون لربهم بتطبيقه..

يقول تعالى:

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]

ألا ما أعظمه من إلهٍ! وما أرحمه من ربٍّ!

إنه صلى الله عليه وسلم يوصي المؤمنين أن يَبَرُّوا طائفة من البشر رفضت دعوة الله تعالى، وخالفت نبيه صلى الله عليه وسلم، واتبعت منهجًا مخالفًا لما أراده سبحانه!!

والمسلمون يتقرَّبون إلى ربهم ببرِّ هؤلاء المخالفين لهم في العقيدة، ما داموا لم يحاربوهم أو يظلموهم!!

و{أَنْ تَبَرُّوهُمْ} -كما يقول ابن كثير في تفسيره- أي: تحسنوا إليهم.

والبرُّ درجة أعلى من القسط، بدليل أن الله تعالى أضاف القسط إليها فقال:{أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}.

ولاحظ أن الله تعالى جاء بكلمة لا تُستخدم إلا في أعظم صور التعامل وأرقاها، فهي تستخدم في وصف صورة التعامل بين الأبناء وآبائهم وأمهاتهم، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئِل عن أي العمل أحب إلى الله فقال: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا». قال السائل: ثم أيُّ؟ قال: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ».

وقال تعالى:

{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92].

ومثال ذلك كثير في القرآن والسنَة، وكلها يشير إلى عظم قيمة «البر».

فهذه هي الدرجة التي يريد الله منا أن نتعامل بها مع غير المسلمين في حالة عدم حربهم لنا..

وإذا كان هذا القانون معجزًا في سُمُوِّه ورُقِيِّه، فقد كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة أيضًا في تطبيق هذا القانون وممارسته.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الشبَهات حول اسم الله (البَر)

  • آيات قرآنية ورد فيها اسم الله (البَر)

    فريق عمل الموقع

    ذكر اسم الله (البَر) في القرآن الكريم في موضع واحد. 1- {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ

    27/05/2021 1189
  • أقوال السلف في اسم الله (البَر)

    فريق عمل الموقع

    أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في اسم الله (البَر):  1- قال ابن عباس -رضي الله عنهما- {البَر}: اللطيف.

    27/05/2021 650
  • البر

    د. باسم عامر

    الدليل: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور:

    12/11/2022 441
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day