الشبَهات حول اسم الله (البارئ)


فريق عمل الموقع

الشبهة الأولى:

هؤلاء البشر وهذه السنن الكونية كلها من فعل الطبيعة وفي الطبيعة عجائب وأسرار.

الرد عليها:

لو أراد الله أن يهديك لسألت نفسك بنفسك وقلت أخبريني عن هذه الطبيعة أهي ذات قائمة بنفسها لها علم وقدرة على هذه الافعال العجيبة أم ليست كذلك بل عرض وصفة قائمة بالمطبوع تابعة له محمولة فيه؟

فإن قالت لك بل هي ذات قائمة بنفسها لها العلم التام والقدرة والإرادة والحكمة فقل لها هذا هو الخالق البارئ المصور فلم تسمينه طبيعية ويا لله من ذكر الطبائع ومن يرغب فيها فهلا سميته بما سمى به نفسه على ألسن رسله ودخلت في جملة العقلاء والسعداء فإن هذا الذي وصفت به الطبيعة صفته تعالى.

وإن قالت تلك بل الطبيعة عرض محمول مفتقر الى حامل وهذا كله فعلها بغير علم منها ولا إرادة ولا قدرة ولا شعور أصلا وقد شوهد من آثارها ما شوهد فقل لها هذا مالا يصدقه ذو عقل سليم كيف تصدر هذه الأفعال العجيبة والحكم الدقيقة التي تعجز عقول العقلاء عن معرفتها وعن القدرة عليها ممن لا عقل له ولا قدرة ولا حكمة ولا شعور وهل التصديق بمثل هذا إلا دخول في سلك المجانين والمبرسمين.

ثم قل لها بعد ولو ثبت لك ما ادعيت فمعلوم أن مثل هذه الصفة ليست بخالقة لنفسها ولا مبدعة لذاتها فمن ربها ومبدعها وخالقها ومن طبعها وجعلها تفعل ذلك فهي إذا من أدل الدلائل على بارئها وفاطرها وكمال قدرته وعلمه وحكمته فلم يجد عليك تعطيلك رب العالم وجحدك لصفاته وأفعاله إلا مخالفتك العقل والفطرة ولو حاكمناك إلى الطبيعة لرأيناك أنك خارج عن موجبها فلا أنت مع موجب العقل ولا الفطرة ولا الطبيعة ولا الإنسانية أصلا وكفى بذلك جهلا وضلالا.

فإن رجعت إلى العقل وقلت لا يوجد حكمة الا من حكيم قادر عليم ولا تدبير متقن الا من صانع قادر مختار مدبر عليم بما يريد قادر عليه لا يعجزه ولا يؤوده قيل لك فإذا اقررت ويحك بالخلاق العظيم الذي لا اله غيره ولا رب سواه فدع تسميته طبيعة اوعقلا فعالا او موجبا بذاته وقل هذا هو الله الخالق البارئ المصور رب العالمين وقيوم السموات والارضين ورب المشارق والمغارب الذي احسن كل شيء خلقه واتقن ما صنع فمالك جحدت اسماءه وصفاته وذاته اضفت صنيعه الى غيره وخلقه الى سواه مع انك مضطر الى الاقرار به إضافة الابداع والخلق والربوبية والتدبير اليه ولا بد.

والحمد لله رب العالمين على انك لو تأملت قولك طبيعة ومعنى هذه اللفظة لدلك على الخالق الباريء لفظها كما دل العقول عليه معناها لأن طبيعة فعيلة بمعنى مفعولة أي مطبوعة ولا يحتمل غيرهذا البتة لأنها على بناء الغرائز التي ركبت في الجسم ووضعت فيه كالسجية والغريزة والبحيرة والسليقة والطبيعة فهي التي طبع عليها الحيوان وطبعت فيه ومعلوم أن طبيعة من غير طابع لها محال فقد دل لفظ الطبيعة على البارئ تعالى كما دل معناها عليه والمسلمون يقولون أن الطبيعة خلق من خلق الله مسخر مربوب وهي سنته في خليقته التي أجراها عليه ثم أنه يتصرف فيها كيف شاء وكما شاء فيسلبها تاثيرها إذا أراد ويقلب تأثيرها الى ضده إذا شاء ليرى عباده أنه وحده الخالق البارئ المصور وأنه يخلق ما يشاء كما يشاء وإنما امره إذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون وإن الطبيعة التي انتهى نظر الخفافيش اليها إنما هي خلق من خلقه بمنزلة سائر ملخوقاته فكيف يحسن بمن له حظ من انسانية اوعقل ان ينسى من طبعها وخلقها ويحيل الصنع والابداع عليها ولم يزل الله سبحانه يسلبها قوتها ويحيلها ويقلبها الى ضد ما جعلت له حتى يرى عباده انها خلقه وصنعه مسخرة بأمره {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين}. [مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/261 – 262].

الشبهة الثانية:

كيف مع كون الله هو الخالق البارئ وله الكمال المطلق في ذلك ويكون في خلقه نقصان؟ كمن خلق أعمى لا يبصر أو أصم لا يسمع أو به شلل أو أي عيب خلقي؟

الرد عليها:

ابتداء أنه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، يعني السؤال من البداية خطأ، لكن هذا جواب لأهل الإيمان الذين يعرفون أن الله سبحانه حكيم عليم، أنَّ الله سبحانه وتعالى يُحال في حقه الظلم «إني حرمت الظلم على نفسي» فهم يعرفون تماما كما في حديثِ النبي  أن «من فقد حبيبتيه فإن الله عز وجل يبدله بهما  الجنة يصبر على ذلك» (مسند أحمد بن حنبل)، ويكون هذا مفتاح دخوله الجنة، لا تحتاج أكثر من أنك فقط تصبر على هذه البلية -المؤمن يفهم ذلك-. أما الملحدون والمتكلمة أهل الشبهات فنقول لهم: أن الأرزاق قُسِّمَت ما بين الناس جميعًا بالسوية، لكن الرزق تفاوت في كيفيته بالنسبة لكل شخص، فشخص كان الرزق بالنسبة له مال، وآخر كان الرزق له صحة، وثالث كان الرزق له تيسير أمور من نحو تيسير زواج وأولاد ونحو ذلك، وشخص آخر رزق ملكات وذكاء فيستغل ملكاته وذكاؤه ويصبح به مرموقا فكل يأخذ رزقه من ناحية. فقانون العدل الإلهي يقتضى ذلك، وهذا دليله الحس قبل أن يكون دليله الإيمان، فالواقع يشهد أن الذي يفقد شيء يُعوَّضه الله بأشياء، فمثلاً الإنسان الضرير من أكثر الناس في ملكة الحفظ وييسر له ما لا ييسر للإنسان العادي الصحيح، ونفس الحال بالنسبة للغنى والفقير، فالفقير له راحة البال، والله يدخل الفقراء قبل الأغنياء الجنة، وكم من غني أغبط فقيرا على رضاه وراحة باله وصلاح حياته، فكل إنسان أخذ جزء من الكعكة ولم يأخذها كلها، ولكن كل منا ينظر إلى القطعة التي لم يأخذها.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الشبَهات حول اسم الله (البارئ)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day