الحديث الثامن عشر (حديث الثورة)


محمدن حسين ال يعقوب

- قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. قَالَ عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ، رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ، مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ رَبُّنَا أَيَا مَلَائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ، وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ، رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي، وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَانْهَزَمُوا، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفِرَارِ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ، رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَرَهْبَةً مِمَّا عِنْدِي، حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ".  

الحكم على الحديث

المسند (3949). وقال الأرنؤوط رحمه الله: إسناده حسن.

 أهمية الحديث

 هذا الحديث بداية معرفة بعض أسماء الله وصفاته التي تجذب القلوب وتثبت الحب للإله الأعظم سبحانه.

 الإيثار من معاني الحب، وأن تؤثر الله على شهواتك من درجات القرب.

تعليم إصلاح النية باستحضار الخوف والرجاء: "رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي"

 

غريب الحديث

عجب ربنا، أي: يتعجب سبحانه تعظيماً لهذا الشيء المتعجب منه، والله تعالى يعظم ما هو عظيم؛ إما لعظمة سببه أو لعظمته.

وطائه: لحافه.

فوائد الحديث

 سبحان ربنا الكريم، سبحان ربنا العظيم، سبحان ربنا البر الودود، سبحانه سبحانه "عَجِبَ رَبُّنَا".

عجيب والله، آالله يعجب؟

نعم، يعجب ربنا، وهو الخلاق العليم؛

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ} [الملك: 14]

لما علم الله عز وجل ضعف الإنسان؛

{وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]

.وعلم سبحانه القصور البشري؛

{وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُۥ عَزْمًا} [طه: 115]

تعجب ربنا من عبد يتجاوز هذا القصور والضعف والجهل.

فينال العبد - وهم آحاد في أفراد - ينالون هذه الدرجة الخطيرة؛ أن يعجب الله منهم.

______________________

مجموع الفتاوى 6/ 123.

 "رَجُلٍ ثَارَ". إنها الثورة الحقيقة، لا ثورة الأهواء والرغبات والتطلعات.

ثورة على النفس، ثورة على ثوران الشهوة، ثورة على الهوى والرغبة.

ثورة حقيقية على الفراش الوطئ والمهاد الوثير والدفء الخطير والأحضان الساخنة.

ثورة لله، ثورة إلى الله.

 ثورة على الأحباب من دون الله، وعلى الأهل والأقارب الشاغلين عن الله.

ثورة الرغبة الحقيقة فيما عند الله، فهي ثورة على الأوهام لبلوغ الحقائق.

ثورة على الشهوات الزائفة والرغبات التافهة والأماني الخادعة شفقة على النفس من خطر ما بعد الموت، وخطر هذه الآفات على الصدق في الإيمان.

 هذه هي الثورة الحقيقية التي بها يحصل التغيير المنشود؛

قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ} [الرعد: 11]


ثورة بيضاء راقية، ثورة الأرواح إلى المعالي.

ثورة خيار الخلق ليكونوا محل عجب الملك، والجزاء من جنس العمل، فيرفعهم الله إلى مقامات يعجب منها الخلق.

 تأمل: "من بين أهله وحبه".

هذا هو إيثار الله على الأهل والأحبة، وكم نقول في دعائنا: آثرنا ولا تؤثر علينا. والأولى بنا نؤثره سبحانه ليؤثرنا.

 "رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي". إنها نية المؤمن التي يعلمها الله عز وجل؛

{يَحْذَرُ ٱلْأَخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِۦ ۗ} [الزمر: 9].

إنها نية وقصد الذين يعلمون؛

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا ٱلْأَلْبَٰبِ} [الزمر: 9]

 هي نفسها: "فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفِرَارِ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ". إنهما جناحا الطائر الذي يسير بهما المؤمن إلى الله عز وجل: "رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي". أيضاً. الخوف والرجاء صراحة، فالطريق إلى الله تقطع بالقلوب لا بالأقدام، وهذان جناحا القلب.

 مباهاة الله عز وجل بالعبدين في قوله سبحانه للملائكة: "انظروا" "انظروا". تأخذ بالألباب، هل تصلح يا عبد الله أن يباهي الله بك ملائكته؟

 هذان الثائران؛ الذي ثار على الفراش الوثير وعلى محبوبه ليناجي ربه، والذي ثار عن الفرار واستقتل في الجهاد يحبهم الله، ويستبشر بهم، ويضحك إليهم - كما سيأتي في حديث الضحك الاستبشار.

 ورد في ثواب بعض الأعمال الأخرى أيضاً أن المولى سبحانه وتعالى يعجب من فاعلها، لا تخرج في معناها عن حديث الثورة وما يكابده القائم بتلك الأعمال من المشاق، فواها لهم!.

 وواأسفاه! وواحسرتاه! كيف ينقضى الزمان وينفد العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة؟

 

 

اللهم أصلحنا لكي نصلح أن تباهي بنا ملائكتك

اللهم ارزقنا قيام الليل رغبة ورهبة واجعلنا من الخاشعين

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث الثامن عشر (حديث الثورة)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day