الحديث الثاني والعشرون حديث القوة


محمد حسين ال يعقوب

- قال مسلم رحمه الله: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".

الحكم على الحديث

صحيح مسلم (2664)

 أهمية الحديث

1- التوجيه إلى أهمية أن يكون الرباني قوياً بكل معانيها

2- البحث عن صفة يحبها الله ليتصف العبد بها طلباً لمحبة الله

3- الرضا بالقدر وعدم الاعتراض أو الاستدراك بلو 

فوائد الحديث

1- القوي اسم من أسماء الله الحسنى؛ قال تعالى:

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ} [هود: 66]

ومن صفاته سبحانه القوة؛ قال تعالى:

{إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ} [الذاريات: 58]

والله جل جلاله يحب أسماءه وصفاته، ويحب من يحبها، ولذلك أحب الله من عباده الأقوياء 

2- القوة في الحق مطلوبة لصيانة الحق وحفظه وحمايته وإظهاره وإعلانه؛ قال الله تعالى:

{وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].

 

3- المطلوب من المؤمن أن يكون قوياً في دينه فتكون همته للأشرف؛ قال صلى الله عليه وسلم:

"إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها" 

4- المبادرة إلى الخيرات والأخذ بالعزائم والثبات على الحق ومقاومة الشر والباطل وكثير من أمثال ذلك تحتاج إلى مؤمن قوي؛ لذلك قال تعالى

{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ} [الفتح: 29].

 

5- المؤمن القوي يصبر على مخالطة الناس، وتحمل أذيتهم، وتعليمهم الخير، وإرشادهم إلى الهدى، قوي في إيمانه، صلب في إيقانه، لا يرى الأسباب ووثق بمسبب الأسباب، قوي عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، أكثر إقداماً على العدو، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلباً لها ومحافظة عليها، قوي القلب من غير قسوة، قوي من غير عنف، لين من غير ضعف

______________________

(1)أخرجه الطبراني (2894). وصححه الألباني. الصحيحة (1627)

 

6- "وفي كل خير". مواساة للضعيف أن لن يعدم خيراً من فضل الله 

7- قوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها؛ إن كان الإنسان يستعمل هذه القوة فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة، وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة، ودفع التعارض - ظاهراً - بين الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم

" إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ"

بأن المراد

- مدح القوة في ذات الله وشدة العزيمة، ومدح الضعف بلين الجانب ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار

- ذم قوة التجبر والاستكبار، وذم ضعف العزيمة في القيام بحق الواحد القهار 

- لم يرد أنهم ينصرون بقوة الضعفاء، وإنما مراده بدعائهم أو بإخلاصهم، فيمدح الضعيف من حيث رقة القلوب ولينها واستكانتها لربها وضراعتها إليه، والقوي على أعمال البر ومشاق الطاعة والصبر على تحمل ما يصيبه من البلاء 

8- "احرص على ما ينفعك". السعي في الأسباب والأخذ بها وعدم الاستسلام لليأس والقنوط 

9- "واستعن بالله ولا تعجز". المطلوب من العبد الرباني أن يجتهد ويستحب نفسه على الأخذ بالعزائم والعمل في أسباب العزة، فقد جاء اسم الله القوي في سبعة مواضع في القرآن مقترناً باسمه العزيز سبحانه وتعالى، وهذا دليل على أن العزة مقترنة بالقوة؛ قال تعالى

{إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74]. وقال تعالى: {وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]

______________________

(1)أخرجه البخاري (2896)، والنسائي (3178). واللفظ له

 

10- وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين يدعون فلا يستجاب لهم من مكنه الله من الأسباب فلم يأخذ بها؛ قال صلى الله عليه وسلم

"ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم؛

رجل أعطى ماله سفيهاً، وقد قال الله عز وجل:

{وَلَا تُؤْتُوا ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ} [النساء: 5] و

رجل داين بدين ولم يشهد، ورجل له امرأة سيئة الخلق فلا يطلقها" (1) 

فلا بد من الأخذ بالأسباب والاجتهاد والجد في تحصيلها؛ لأن الله ربط كل سبب بمسببه 

11- "احرص". "واستعن". الحرص بمدافعة أسباب العجز، ولا يتم المراد إلا بالاستعانة بالله القوي العزيز

12- "وإن أصابك شيء فلا تقل: لو" قال تعالى:

{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]

هذا أطيب شيء في الوجود؛ سكون القلب تحت مجاري الأقدار، إذا أصابك شيء فلا تلتفت عن الله ولا تقل: لو. ولا غيرها، بل يتوجه القلب إلى الله راضياً محباً ساكناً مهدياً 

اللهم ارزقنا قوة في إيمان ورضا بقضائك وحسن اختيارك

اللهم آمين

______________________

(1)أخرجه الطحاوي في شرح المشكل (2530)، والحاكم 2/ 331 - وعنه البيهقي 10/ 146 - وصححه الألباني. الصحيحة (1805)

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث الثاني والعشرون حديث القوة

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day