شرح أسماء الله الحسنى 43- الحسيب
أولا /المعنى اللغوي:
“الحسيب” على وزن فعيل من صيغ المبالغة.
ويأتي الفعل، حسِبَ بمعنى ظن، وبمعنى : عدّ يعد
والحسيب: أي الكافي.
ويقال : هُوَحَسِيبٌ: ذُو حَسَبٍ وَنَسَب
حسيبك الله : انتقم الله منك
ثانيا /المعنى في حق الله تعالى:
الحَسيب: الكافي الذي منه كفايةُ العباد ،والمُحاسِب الذي يحاسب العبادَ على أعمالهم ، والشّريفُ الذي له صفاتُالكمال والجلال ، والمدرِكُ للأجزاء والمقادير التي يعلم العبادُ أمثالَهابالحساب من غير أن يحسب .
ثالثا / وروده في القرآن الكريم:
ورود اسم الحسيب في عدة مواضع من القرآن الكريم منها :
قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ﴾ سورة النساء 86
وقوله تعالى:
﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾ سورة النساء 6
وقوله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً )الأحزاب 39
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل:
اسم الحسيب له ثلاثة معان :
المعنى الأول : الله سبحانه وتعالى هو الكافي لعباده.
المعنى الثاني : (الحاسب) الذي أحصى كل شيء، لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
المعنى الثالث : حسيب بمعنى المحاسب (وهو أسرع الحاسبين )
المعنى الأول : الله سبحانه وتعالى هو الكافي لعباده:
الذي لا غنى لهم عنه أبداً، بل لا يتصور لهم وجود بدونه، فهو خالقهم وبارئهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة، لا يشاركه في ذلك أحد أبداً.
وإن ظن الناس أن غير الله يكفيهم فهو ظن باطل، وخطأ محض، بل كل شيء بخلقه وتقديره وأمره.
ولا تظنن أنك إذا احتجت إلى طعام وشراب وأرض وسماء وشمس وغير ذلك، فقد احتجت إلى غيره ولم يكن هو حسبك، فإنه هو الذي كفاك بخلق الطعام والشراب والأرض والسماء، فهو حسبك.
وهذا هو المعنى لقول تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64]
أي الله وحده كافيك، وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد.
حسبنا الله ونعم الوكيل :
ورد هذا الدعاء في القرآن الكريم في حكاية الله عز وجل عن الصحابة الكرام في أعقاب معركة أُحُد ، في غزوة ” حمراء الأسد “، وذلك حين خوَّفهم بعضُ المنافقين بأن أهل مكة جمعوا لهم الجموع التي لا تهزم ، وأخذوا يثبِّطون عزائمهم ، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بوعد الله ، وتمسكا بالحق الذي هم عليه ، فقالوا في جواب جميع هذه المعركة النفسية العظيمة :
حسبنا الله ونعم الوكيل .
يقول عز وجل : (
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ . الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) آل عمران/172-174
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ : قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِي فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا : ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )صحيح البخاري
معنى هذا الدعاء
حسبنا الله : أي الله كافينا ، فالحسب هو الكافي أو الكفاية ، والمسلم يؤمن بأن الله عز وجل بقدرته وعظمته وجلاله يكفي العبد من كل ما أهمه وأصابه ، ويرد عنه بعظيم حوله كل خطر يخافه ، وكل عدو يسعى في النيل منه .
وأما معنى : ( نعم الوكيل )، أي : أمدح من هو قيِّم على أمورنا ، وقائم على مصالحنا ، وكفيل بنا ، وهو الله عز وجل ، فهو أفضل وكيل ؛ لأن من توكل على الله كفاه ، ومن التجأ إليه سبحانه بصدق لم يخب ظنه ولا رجاؤه ، وهو عز وجل أعظم من يستحق الثناء والحمد والشكر لذلك .
“فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ” وجاءت“فضل” هنا نكرة في سياق الاثبات على اعتبار أن تكون مطلقة ؛ وكان يمكن أن يقول فانقبلوا“بنعمة وفضل” لكن أضاف “من الله” لكي يشعر قيمة هذه النعمة، فهى نعمة خاصة جدا مميزة جدا” بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ” أي كل سوء، “لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم” فرضى عنهم ربهم وأرضاهم ولا شك هذا هو الفوز.
وهذا الدعاء من أعظم الأدعية فضلا ؛ لأنه يتضمن حقيقة التوكل على الله عز وجل ، ومَن صَدَق في لجوئه إلى ربه سبحانه حقق له الكفاية المطلقة ، الكفاية من شر الأعداء ، والكفاية من هموم الدنيا ونكدها ، والكفاية في كل موقف يقول العبد فيه هذه الكلمة يكتب الله عز وجل له بسببها ما يريده ، ويكتب له الكفاية من الحاجة إلى الناس ، فهي اعتراف بالفقر إلى الله ، وإعلان الاستغناء عما في أيدي الناس .
مواضع مناسبة الدعاء بـ ” حسبنا الله ونعم الوكيل “
يناسب هذا الدعاء كل موقف يصيب المسلم فيه هم أو فزع أو خوف ، وكذلك كل ظرف شدة أو كرب أو مصيبة ، فيكون لسان حاله ومقاله الالتجاء إلى الله ، والاكتفاء بحمايته وجنابه العظيم عن الخلق أجمعين .
وقد ورد في ذلك حديث ضعيف جدا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذا وَقَعْتُمْ فِي الأَمْرِ العَظِيمِ فَقُولوا : حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ ) رواه ابن مردويه ، انظر ” سلسلة الأحاديث الضعيفة ” (رقم/7002).
وأفضل حالا منه حديث يرويه سَيْف ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) والحديث حسنه الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير و ضعفه الألباني في ” ضعيف أبي داود “.
وحديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمْ : قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا )صححه الألباني في ” صحيح الترمذي
اللَّهُ عنه قالَ : “مَن قالَ إذا أصبحَ وإذا أَمسى : اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هوَ عليهِ توَكَّلتُ وَهوَ ربُّ العرشِ العظيمِ . سَبعَ مرَّاتٍ كفاهُ
وذكره ابن القيم رحمه الله في ” الفصل التاسع عشر في الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطاناً وغيره ” انتهى من ” الوابل الصيب ” (ص/114)
ونلاحظ مما سبق أن هذا الدعاء يمكن أن يقال في مواجهة المسلم الظالم ، وليس فقط الكافر ، كما يمكن أن يلجأ إليه المهموم أو المكروب أو الخائف بسبب تعدي أحد المسلمين .
وأما الظالم الذي قيل في حقه هذا الدعاء فليس له إلا التوبة الصادقة ، وطلب العفو ممن ظلمهم وانتهك حقوقهم ، ورد المظالم إلى أهلها ؛ وإلا فإن الله عز وجل سيكون خصمه يوم القيامة ، وغالبا ما يعجل له العقوبة في الدنيا ، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .
حسبنا الله وحده :
أثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى:
“الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ” آل عمران: 173
ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، ونظير هذا قوله تعالى :
” وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ ” [التوبة: 59]
فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله، كما قال تعالى:
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: 59]
كما قال تعالى: إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ [التوبة: 59]
ولم يقل: وإلى رسوله، بل جعل الرغبة إليه وحده.
وكفاية الله لعباده عامة وخاصة :
فالعامة : أنه سبحانه كفى جميع المخلوقات وقام بإيجادها وإمدادها وإعدادها لكل ما خلقت له .
وأما الخاصة : فكفايته للمتوكلين وقيامه بإصلاح أحوال عباده المتقين ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) أي كافيه كل أموره الدينية والدنيوية .
و ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال :
( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا , فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ) .
والعبد لا غنى له عن ربه بأن يكون له حافظاً وكافياً ومسددا وهاديا ولذا شرع للمسلم في كل مرة يخرج من بيته أنه يقول: ( بسم الله توكلت على الله لاحول ولا قوة إلا بالله ) ليكفى همه وحاجته روى ابو داود والترمذي – وصححه الألباني لشواهده- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ قَالَ « يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ ) أي هديت إلى طريق الحق والصواب وكفيت من كل هم ديني ودنيوي .
وكثيرا ما يتنازل بعض الناس عن مثل هذه المعاني الجليلة إلى تذلل للمخلوقين وانكسار بين أيديهم وسؤالهم وتعلق قلبه بهم وكأن الأمور بأيديهم كل ذلك لينال بعض مآربه وحاجاته على حساب دينه ونيل رضا ربه عز وجا فيخسر كفاية الله للمتوكلين .
روى الترمذي – وصححه الألباني – عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس )
المعنى الثاني : (الحاسب) الذي أحصى كل شيء، لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
قال تبارك وتعالى:
” وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ” [الجن: 28]
وقال :
“إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ” [مريم: 93-94]
وأعمالك كلها أيها الإنسان محسوبة محصية، لا يضيع منها شيء، ولا يزاد عليك شيء، فتجزى بها يوم القيامة ولا تظلم.
قال تعالى:
” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ” [الأنبياء: 47]
وقال سبحانه:
” أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ” [المجادلة: 6]
وقد أمر الله سبحانه الحفظة بذلك، أن يدونوا كل صغيرة وكبيرة.
قال تعالى:
” مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ” [ق: 18]
وهذا الحفظ والإحصاء الدقيق، والحساب الذي لا يفوته شيء، هو الذي يبهت أهل الأجرام، الذين لا يبالون بأعمالهم صلحت أو فسدت، يعملون السيئات بلا حساب ويظنون أنهم متروكون سدى، لا حساب ولا عذاب، قال تعالى عنهم : “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ” [الكهف: 49].
المعنى الثالث : حسيب بمعنى المحاسب (وهو أسرع الحاسبين )
والله سبحانه وتعالى هو أسرع الحاسبين فحين يردإليه العباد فيحاسبهم لا يشق عليه ذلك فهو سبحانه يعلم عددهم وأعمالهم وآجالهم وجميع أمورهم ، وقد أحصاها وعلم مقاديرها ومبالغها وهو لا يحسب بعقد يد ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر منها ولا أكبرإلا في كتاب مبين.
وحساب الخلق لا مشقة فيه على الخالق الحاسب، بل هو يسير عليه.
قال تعالى :
“ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ” [الأنعام: 62]
قال ابن جرير: ثم ردت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحق، (ألا له الحكم) يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه، (وهو أسرع الحاسبين) يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس، وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها.
لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين اهـ .
فكما أن خلقهم وبعثهم لا مشقة فيه كما قال سبحانه
مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: 28]
فكذلك حسابهم لا مشقة فيه ولا تأخير،
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]
خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل
1) إن الله سبحانه وتعالى هو الكافي لعباده الذي لا غنى لهم عنه أبدا بل لا يـُتـصور لهم وجود بدونه فهو خالقهم وبارئهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة لا يشاركه في ذلك أحد أبدا ، وإن ظن الناس أن غير الله يكفيهم فهو ظن باطل بل كل شيء بخلقه وأمره وتقديره فالله هو الذي كفانا بخلق الطعام والشراب والأرض والسماء فهو حسبنا.
2) لا تظن أن الطفل الذي يحتاج إلى أمه ترضعه وتتعهده أن الله ليس حسيبه وكافيه بل الله كفاه إذ خلق أمه وخلق اللبن في ثديها وخلق له الهداية إلى التقامه وخلق الشفقة والمودة في قلب الأم حتى مكنته من التقامه ودعته إليه وحملته إليه, فالكفاية إنما حصلت بهذه الأسباب والله وحده المتفرد بخلقها لأجله .
3) الله وحده حسيب كل أحد لا يشاركه في ذلك أحد وهذا هو معنى قوله تعالى:”يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين”
أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحد.
وبقدر ما يلتزم العبد بطاعة الله ورسوله تكون الولاية والكفاية ولذلك كان المقصود من الأية السابقة: أن بحسب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة والفلاح والنجاة فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته وجعل شقاوة الدارين في مخالفته.
4) أن يكون المؤمن دائماً محاسباً لنفسه” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا” فمن حاسب نفسه بدقه في حياته خُفّف عليه من الحساب يوم القيامة.
فلا يمر بك يوم دون أن تنظر أين أنت من الطريق ؟ هل تقدمت أم تأخرت ؟
5)الله سبحانه وتعالى “الحاسب” الذي أحصى كل شيء لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء قال تبارك وتعالى :”وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا”
وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة .”وكل شيء أحصيناه في إمام مبين”
” وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير”
6) حساب الخلق لا مشقة فيه على الخالق الحاسب بل هو عليه يسير.
قال تعالى “ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين” فهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس أحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها. فكما أن خلقهم وبعثهم لا مشقة فيه فكذلك حسابهم لا مشقة فيه .
“ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة “
“إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون “
فسبحان الله العظيم ..الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.