شرح أسماء الله الحسنى – اسم الله “الجبار”
وروده في القرآن :
اسم الله الجبار جاء في موضع واحد في آخر سورة الحشر في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).الحشر 24
المعنى اللغوي :
اسم الله تعالى الجبار له ثلاثة معان :
الأول : جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر الضعيف والفقير بالقوة والغنى ، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله .
فكم جبر من كسير وكم أغنى من فقير وكم أعز من ذليل وكم جبر من مصاب فأعانه في شدته .
فحقيقة هذا الجبر هو إصلاح حال العبد بتخليصه من شدته ودفع المكاره عنه .
ومن ذلك ما أخرجه أبو داوود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بين السجدتين فيقول: ( اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني وارزقني ) فهنا دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أن يجبره وإنما يجبر الضعيف والمنكسر من كان جبارا.
الثاني : جبر القوة، فهو – سبحانه وتعالى- الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله – عز وجل- وجبروته وفي يده وقبضته .
فهو الذي دان كل شيء لعظمته وخضع كل مخلوق لجبروته وعزته فهو يجبر عباده على ما أراد مما اقتضته حكمته ومشيئته فلا يستطيعون الفكاك منه .
الثالث جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
وهذا المعنى كقوله تعالى (إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ) المائدة 22
ويقال: هذا عمل جبار ( أي لا يطاق )
والعرب تقول نخلة جبارة أي عالية .
فهو العلى بذاته فوق جميع خلقه ؛ فإرادته تبارك وتعالى فوق كل إرادة ، ومشيئته فوق كل مشيئة ، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، وهذا كله صادر من قوته وعزته وعظمته جل جلاله.
ومن ذلك حديث عوف بن مالك قال قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فلما ركع مكث قدر سورة البقرة يقول في ركوعه ( سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ). أخرجه أبو داوود بإسناد صحيح.
وقد جمع ابن القيم رحمه الله هذه المعاني في نونيته عند ذكر هذا الاسم الكريم فقال:
وكذلك الجبار من أوصافه ** والجبر في أوصافه قسمان
جبر الضعيف فكل قلب قد غدا ** ذا كسرة فالقلب منه دان
والثاني جبر القهر بالعز الذي ** لا ينبغي لسواه من إنسان
وله مسمى ثالث وهو العلو ** فليس يدنو منه من إنسان
من قولهم جبارة للنخلة الـ ** عليا التي فاتت لكل بنان
يقول ابن القيم: هذه الأسماء الثلاثة ( يعني العزيز والجبار والمتكبر ) نظير الأسماء الثلاثة ( أي في الآية التي في آخر سورة الحشر) وهي الخالق والبارئ والمصور ، فالجبار المتكبر يجريا مجرى التفصيل لمعنى العزيز ، كما أن البارئ والمصور تفصيل لمعنى الخالق ، فالجبار من أوصافه يرجع إلى كمال القدرة والعزة والملك ولهذا كان من أسماءه الحسنى.
هل يجوز لأحد البشر أن يوصف بأنه جبار ؟
التجبر صفة كمال لله و صفة نقص عند البشر لأن كلمة جبار بدون ألف ولام التعريف تستخدم كصفة من صفات الأفراد ، وفي هذه الحالة تكون بمعني القهر والطغيان .. فهي في حق الإنسان صفة ذميمة ، ويتجلى ذلك في العديد من الآيات القرآنية
منها قوله تعالى : ( وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59
و توعد الله الجبابرة بالعذاب والنكال كما في قوله تعالى : ( وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) إبراهيم 15
وفي الحديث: (يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تـُبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاث بكل جبار عنيد،وبكل من دعا مع الله إله آخر،والمصورين.)
و في القرآن ما يفيد أن التجبر سببا للطبع على القلوب فلا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا كما في قوله تعالي : (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) غافر 35
ولذلك ينفي الحق جل وعلا عن نبيه يحيى عليه السلام هذه الصفة فيقول : (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) مريم 14
كما نفاها نبيه عيسى عليه السلام عن نفسه : (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) مريم 32
ونفي الجبر هنا هو نفي للطغيان والقهر والتحكم في مخلوقات الله عز وجل لمنافع وأهواء شخصية بشرية.
أما الجبار بألف ولام التعريف فهو اسم من أسماء الله الحسنى ..
وإن كانت صفة الجبر كما ذكرت كوصف للمخلوق صفة ذميمة ، فهي في حق الله عز وجل من الصفات الواجبة لكماله المطلق .
والمسلم أحياناً تتداخل عنده صفات البشر مع صفات الخالق فلابد من التوضيح بأن هناك صفات إذا نسبت إلى الخالق فهي صفات كمال أما إذا نسبت إلى المخلوق فهي صفات نقص ، فإذا وصفنا إنساناً بأنه جبار فهذه صفة نقص فيه ،فهذا الإنسان الذي يوصف بأنه جبار هل بإمكانه أن يضمن استمرار حياته إلى ثانية واحدة ؟
عشرات الأشخاص كل يوم يموتون بسبب وبلا سبب ومع تقدم العلم أصبح يقول الطبيب سكته دماغية أو سكته قلبية أو هبوط مفاجئ في وظائف الكليتين أو تشمّع الكبد …. ونحن بين أظهرنا أشخاص كثيرون كانت لهم آمال طويلة جداً كل هذه الآمال تبددت لأن خللاً طفيفاً جداً أصابهم .
فإذا قلنا فلان جبار فإننا نصمه بالحمق لأنه يدعي ما ليس له ، يدعي حجماً ليس بحجمه، يدعي قوة ليست بقوته !!!
أما إذا وصفنا خالق الكون الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم الذي لا راد لحكمه إذا وصفنا خالق الكون بأنه جبار فهذه صفة مدح وصفة تنزيهية من جهة وصفة من صفات الذات لله عز وجل.
فالجبروت المذموم هو أن تقهر إنسانا على مالا يريد ، والحق تبارك وتعالى لا يفعل ذلك .. وإذا قهر جل وعلا مخلوقا على شئ فثق أن في هذا القهر مصلحة حتى وإن عجزت عن إدراكها .
على سبيل المثال : جسم الإنسان والذي يتكون من عدة أجهزة كالجهاز الهضمي والتنفسي والعصبي وخلافه .. تجد أن هذه أجهزة مقهورة قهرا إلهيا على العمل بالنحو الذي تعمل به .
فالقلب مثلا يعمل بلا أدنى تدخل من الإنسان ، كما أن الإنسان لا يستطيع أن يوقف قلبه عن العمل .
وهكذا شأن سائر الأجهزة .. كلها تعمل بنظام ثابت ومحكم بلا تدخل من الإنسان لأنها مقهورة على أن تقوم بهذا العمل أو ذاك ، فالقهر هنا نعمة من نعم الله عز وجل على الإنسان وينبغي أن نحمده على جبروته الذي أخضع له هذه الأجهزة .
وإذا تأملنا أيضا النظام الكوني وعلى وجه الخصوص المجموعة الشمسية نجد أن الشمس تدور حول نفسها بسرعة معينة .. كذلك الأرض وسائر الكواكب الأخرى تدور حول نفسها بما يترتب على ذلك من تعاقب الليل والنهار وتدور أيضا حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب فصول السنة .
وهذه الدورات تتم في تناسق معجز يكفل انتظام تعاقب الليل والنهار وانتظام تعاقب فصول السنة .. ما الذي يجعل هذه الكواكب والتي هي أجسام جامدة تسير كأنها كائنات عاقلة حكيمة ؟!!
إنه الجبروت الإلهي .. الذي أخضع هذه الأجسام للإرادة الإلهية .
وهذا أيضا يستلزم منا الحمد لله عز وجل ، لأنه لو لم يقهر الكون على هذا العمل المحكم المنظم لما دامت لنا حياة على الأرض .
فالجبار كاسم ووصف من أوصاف الحق عز وجل يمثل صفة من الصفات الواجبة لكماله المطلق عز وجل . وإذا كان الجبر يرادف القهر في أحد معانيه .. فإنه قهر يحقق النفع والمصلحة للإنسان ويدفع عنه الضرر .
إن الجبر الإلهي بكل معانيه صفة من صفات الكمال الإلهي المطلق .. ولا يستعمل الحق جل وعلا جبروته في موضع إلا تحقيقا لخير أو دفعا لشر .. وهو سبحانه مستحق للحمد على جبروته كما هو مستحق الحمد على رحمته ومغفرته وكرمه ؛ فهو كما أخبر عن نفسه : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة الحشر
تأملات في معنى الاسم الجليل :
إذا تأملنا المعنى الأول لهذا الاسم الجليل ( جبر الرحمة ) فإن المسلم يستشعر أن الله هو الذي يجبر المنكسرين، والمظلومين والمحرومين ، فكل من أُهين أو كُسر وهو مظلوم له الجبار الذي يجبر كسره ويصلح أمره .
فكل فقير أنهكه الفقر ، وكل أرملة تربي عيالها ،وكل يتيم فقد أباه ، وكل موظف أو عامل ظلمه مديره بالخصم أو بالطرد أو بالتعسف معه ، وكل من خدع وأخذ ماله بالنصب والاحتيال ، وكل من ظلمها زوجها ظلما شديدا وألحق بها الأذى، من لهؤلاء سوى “الجبار”؟
لن يلجأ إليه عبد بذله وانكساره ومظلمته إلا وينصره لأنه سمى نفسه
بـ “الجبار” .
هناك نوعان من الكسر: كسر للأبدان ، وكسر للقلوب.
وإذا كان الأطباء يُجبرون كسر الأبدان فإن الله سبحانه وتعالى يُجبر كسر القلوب.
بل حتى كسر الأبدان يُجبره “الجبار”! إذا كسِرت يدإنسان، فما على الطبيب إلا إنه يعيد العظم المكسور إلى مكانه ثم يضع الجبيرة ولكن يلتئم العظم بقدرة الله “الجبار” حيث يأمر الخلايا العظمية بالنشاط بعد أن كانت قد سكنت حتى يلتئم الكسر ثم يأمرها الله بالسكون مجدداً.
هذا مثل “الجبار” في الأبدان، فما بالنا ” بالجبار” في القلوب؟
جابر أم جبار؟
والفرق بينهما هو أن “الجابر” قد يُجبرك مرة أو مرتين ولكن “الجبار” يُجبرك كلما لجأت إليه.
وقد يسمى شخص بـ “جابر” ولكن لا أحد يسمى بـ “الجبار” إلا الله سبحانه وتعالى.
الله لا يرد سائلا :
واسم “الجبار” يقتضى أن يكون هناك منكسِراً، كما اقتضى اسم “الرزاق” مرزوقاً، واقتضى اسم “الرحيم” مرحوماً، فإذا ظلمت أو طردت أو حرمت فالجأ “للجبار” وحينها ستشعر بحلاوة العبادة لم تشعر بها من قبل مثل أن تصلي ركعتين منكسراً للجبار.
إذا لجأت إلى الله، فلن يردك ، قد يؤخر الله الجبر لحكمة يعلمها، لكنه يسمع كلامك ويرى حالك ولا يخفى عليه شيء من أمرك .
تروى إحدى الأخوات .. فتقول قبض على زوجى ظلما وترك وراءه أربعة من الأطفال.
وذات مساء مرض ابنى الصغير (بالحمى) ووقعت فى ذهول ليس لى حيلة ولا صلة وثيقة بالجيران.
فاستعنت بالله أدعوه وألح فى الدعاء أن ينقذنى ويرحم ضعفى وغربتى .. ولم تمض ساعة أو يزيد.. حتى طرق الباب ففتحت فإذا الذى أمامى طبيب ..
جاء يسأل عن المريض!!!
وبعد أن أتم الكشف وقدم بعض الدواء الذى يكون معه عادة نزل بعد أن أدرك حالة الأسرة وظروفها من شاهد الحال والمقال.
وحين عاد الطبيب إلى منزله – دق التليفون ليستعجلوا الطبيب. فتعجب الطبيب وقال لقد عدت من عندكم لتوى الآن.
وتبين للطبيب بعد ذلك أن السكن الذى كان يقصده فى نفس المنزل يقع أمام الشقة التى طرق عليها الباب خطأ.
فسبحان من له الكون كله يسيره حيث يشاء.
لجوء النبي (صلى الله عليه وسلم) للجبار:
ضُرِبَ النبي بالحجارة يوم الطائف ، وسبه العبيد والسفهاء ، وقد كان يبلغ من العمر خمسون عاماً، وكان يبحث عن مكان يأوي إليه مع زيد بن حارثة، فدعى النبي شاكياً إلى الله قائلاً “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت رب العالمين، وأنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟
إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي”.
ثم يأتي شاب يسمى عدَّاس يقدم عنبا للنبي ويجري حوار معه يعرف منه أنه رسول الله، فينزل عدَّاس مُقبِلاً قدما النبي.
ثم يأتي الجبر الكامل في رحلة الإسراء والمعراج.
المعنى الثاني :الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته
كي يجبرك، يأخذ الحق ممن ظلمك ، يقصم الله من ظلمك، ليجبرك.
فهو جبار للمظلومين، جبار على الظالمين.
إذا كنت منكسراً، ومن كسرك لم يتب ومُصِراً على ما فعله بك، فسيجبرك الله ويأخذ لك الحق ممن كسرك.
فهو جبار للمنكسرين، جبار على الكاسرين.
فاحذر أن تنام ليلة وأنت ظالم، يا من ظلمتم الناس، احذروا! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )
وعن جابر قال لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة قال فتية منهم بلى يا رسول الله بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا.
قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صدقت صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم .)
يا من ظلمت (بضم الظاء ) وتحترق شوقاً لتنتقم ممن ظلمك، احذر فإن الله معك في اللحظة التي ظُلِمت فيها، أنت في كنف الجبار ، فلا ترد الظلم بالظلم .
فإياكِ وظلم زوجتك، فقد تلجأ للجبار ليلاً باكية له شاكية.
إياك يا صاحب العمل أو المال أن تقهر أو تظلم موظفا أو عاملا ، فقد يلجأ إلى الله ليلاً باكياً شاكيا متظلما ، وطالباً منه أن يجبر بخاطره، فيقصمك الله من أجل هذا المظلوم .
إياك يامن ولاك الله منصبا أو جاها أن تخون ما ولاك الله ، أو أن تظلم أو تفسد في الأرض فإن الكرسي زائل .
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * * * فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه * * * يدعو عليك وعين الله لم تنم
وورد عن أبي العتاهية قوله :
أمــــا والله إن الظـــــــلم شـــــــــــــؤمٌ . . . ولا زال المــــســـيء هو الظلـــــــــومُ
إلــــى الديــــــان يوم الديـــــن نمضــي. . . وعنـــــد الله تجـــــتمع الخـــــصـــــومُ
ســـتعلم فــــي الحســــاب إذا التــقينـــا. . . غــدا عنـــد المليــــك – من الملــــوم؟
وقال تعالى { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }إبراهيم43،42
يقول الشهيد سيد قطب في الظلال : (والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يحسب الله غافلاً عما يعمل الظالمون. ولكن ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتعون، ويسمع بوعيد الله، ثم لا يراه واقعاً بهم في هذه الحياة الدنيا. فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخير، التي لا إمهال بعدها. ولا فكاك منها. أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع، فتظل مفتوحة مبهوتة مذهولة، مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك.
وفي الصحيحين: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود:102.
أيها المظلوم! إياك أن تظن أن الله قد أهمل الظالم، أو أن الله عز وجل قد نسي الظالم فتعالى ربنا فلا يضل ربنا ولا ينسى، بل إن الله ليملي لأهل الظلم، والطغيان حتى إذا ما أخذهم فلن يفلتهم
أين الطواغيت والظالمون في كل زمان؟!
أين قارون ؟! أين فرعون ؟! أين هامان ؟! أين النمرود بن كنعان ؟! أين أصحاب الأخدود؟!
أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي؟!
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان
هل فارق الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان
لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان
قال تعالى :
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ }الفجر6-9
ما معنى(جابوا الصخر) ؟
جاب الشيء أي مر بداخله حفروا صخور الجبال وقالوا من أشد منا قوة
{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد } 9-12
ماذا كانت العاقبة ؟
{ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }الفجر13-14
ثمار الإيمان بهذا الاسم :
– 1تعظيم الله تعظيما يليق بجلاله وعظمته ، وأنه سبحانه قهر الجبابرة وعلاهم بعظمته فلا يجري عليه حكم حاكم فينقاد ،ولا أمر آمر فيلزمه الامتثال ، بل هو آمر غير مأمور ،قاهر غير مقهور ،(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء 23
-2 اللجوء إلى الله عند الشدائد ،والكربات… إذا كنت مظلوماً، الجأ للجبار واسجد بين يديه وقل له، “اجبر بخاطري يا رب، ظلمت يارب ، انصرني يارب .
فمن للمظلومين إلا الله ؟!!
ومن للمحرومين إلا الله ؟!!
ومن للمنكسرين إلا الله ؟!!
ومن للمقهورين إلا الله ؟!!
فكلما كان العبد أكثر افتقارا إلى الله عز وجل كلما كان أكثر عبودية له.
وكلما كان القلب ملتفتا إلى المخلوقين كلما نقصت العبودية.
3- أن يثق العبد بربه الثقة الكاملة ويعلم أنه يركن إلى ركن شديد ، وأنه لو اجتمعت عليه الأمة على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء ؛ لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه .
فلا يخاف من المخلوقين مهما انتفشوا ومهما تعاظموا , فإن الذي عظمهم في قلبه إنما هو الشيطان يقول تبارك وتعالى:
(إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران 175
4- إياك والظلم ، إذا كنت ظالماً، فقم باسترضاء من ظلمته حتى يرضى عنك قبل أن يقصمك الله سبحانه وتعالى في الدنيا ويبقى القصاص يوم القيامة ،والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
( من كانت عنده مظلمة لأخيه؛ من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) رواه البخاري
وعن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
( أتدرون ما المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار ) رواه مسلم