أين الله ؟
الله الذي خلَقَنا، أوجَب علينا أن نعرف أين هو؟ حتى نتجه إليه بقلوبنا ودعائنا وصلاتنا، ومن لا يعرف ربَّه أين هو؟ يبقى ضائعًا لا يعرف وجهة معبوده، ولا يقوم بحقِّ عبادته.
إن صفة العُلُو لله على خلقه هي كبقيَّة الصفات الواردة في القرآن والأحاديث الصحيحة؛ كالسمع والبصر والكلام والنزول وغير ذلك من صفات الله، فإن عقيدة السلف الصالح، والفِرقة الناجية أهل السُّنة والجماعة الإيمانُ بما أخبَر الله به في كتابه أو رسولُه في أحاديثه، من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه؛ لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
ولما كانت هذه الصفات، ومنها صفة عُلُو الله على خلقه، تابعةً لذاته؛ فإن الإيمان بها واجب، كالإيمان بالذات العليَّة؛ ولذلك قال الإمام مالك رضي الله عنه لما سئل عن معنى قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] فقال: الاستواء معلوم (أي: العلو)، والكيف مجهول، والإيمان به واجب.
فانظر يا أخي المسلم إلى قول مالك رحمه الله، حيث جعل الإيمان بالاستواء معرفته واجبة على كل مسلم، وهو العلو، ولكن كيفيته مجهولة لا يعلمها إلا الله.
إن كل منكِر لصفة من صفات الله الثابتة في القرآن والحديث، ومنها العُلُوُّ المطلق وأنه على السماء، يكون منكرًا للآيات والأحاديث الدالة على إثباتها، وأن هذه صفات كمال ورفعة وعلُو لا يجوز نفيُها عن الله، وإن محاولة بعض المتأخرين تأويل الآيات والصفات - متأثِّرين بالفلسفة التي أفسَدتْ عقائدَ كثير من المسلمين - جعلهم يعطِّلون هذه الصفات الكمالية لله، وخالفوا طريقة السلف، وهي أسلم وأعلم وأحكم، وما أحسن من قال:
وكلُّ خيرٍ في اتِّباعِ مَن سَلفْ *** وكلُّ شرٍّ في ابتداعِ مَن خلَفْ
الخلاصة:
إن الإيمان بجميع الصفات الواردة في القرآن والأحاديث الصحيحة واجب، ولا يجوز أن نفرِّق بين الصفات، فنؤمن ببعضها على ظاهرها، ونتأوَّل بعضها الآخر، فالذي يؤمن بأن الله سميع بصير لا يُشَبِّهُه بأحدٍ في سمعه وبصره، عليه أن يؤمن بأن الله في السماء (أي: علا السماء علُوًّا يليق بجلاله لا يُشبهُه أحد)؛ لأنها كلها صفات كمال لله، أثبَتَها الله لنفسه في كتابه، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، تؤيدها الفطرة السليمة، ويصدِّقها العقل السليم.
قال نُعيم بن حماد شيخ البخاري:
"من شبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسَه ولا رسولُه تشبيهٌ" [ذكره في شرح العقيدة الطحاوية].