تعظيمُ الأمرِ والنهيِ
وهذا يدلُّ على أن أولَ مراتبِ التعظيمِ هي تعظيمُ الأمرِ والنهيِ، وقد ذكر ذلك ابنُ القيمِ فقال: «تعظيمُ الأمرِ والنهيِ هو ناشئٌ عن تعظيمِ الآمرِ الناهي فإن اللهَ تعالى ذمَّ من لا يعظِّمهُ ولا يعظِّمُ أمرَهُ ونهيَهُ، قال الله تعالى:
﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾
[نوح:13]
قالوا في تفسيرِها: ما لكم لا تخافونَ للهِ تعالى عظمةً.
وما أحسنَ ما قالَه شيخُ الإسلامِ في تعظيمِ الأمرِ والنهيِ: «هو ألا يُعَارَضَا بترخصٍ جافٍ، ولا يُعرَّضا لتشديدٍ غالٍ ولا يُحْمَلَا على علةٍ توهنُ الانقيادَ». ومعنى كلامِه: أن أولَ مراتبِ تعظيمِ الحقِّ ﷻ: تعظيمُ أمرِه ونهيِه، وذلك لأن المؤمنَ يعرِفُ ربَّه ﷻ برسالتِه التي أرسلَ بها رسولَ اللهِ ﷺ إلى كافةِ الناسِ، ومقتضاها: الانقيادُ لأمرِهِ ونهيهِ، وإنما يكونُ ذلك بتعظيمِ أمرِ اللهِ ﷻ واتباعِه، وتعظيمِ نهيِه واجتنابِه، فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه واجتنابه دالًّا على تعظيمِه لصاحبِ الأمرِ والنهيِ، ويكونُ بحسبِ هذا التعظيمِ من الأبرارِ المشهودِ لهم بالإيمانِ والتصديقِ وصحةِ العقيدةِ، والبراءةِ من النفاقِ الأكبرِ. فإن الرجلَ قد يتعَاطَى فعلَ الأمرِ لنظرِ الخلقِ وطلبِ المنزلةِ والجاهِ عندَهم، ويتَّقِي المناهِيَ خشيةَ سقوطِه من أعينِهم، وخشيةَ العقوباتِ الدنيويَّةِ من الحدودِ التي رتَّبَها الشارعُ على المناهِي، فهذا ليس فعلُه وتركه صادرًا عن تعظيمِ الأمرِ والنهيِ، ولا عن تعظيمِ الآمرِ الناهِي»