مقدمة


أحمد يوسف السيد

احتلت الحروب موقعا بارزا في التاريخ الإنساني، وقطعت حصة كبيرة من جسده، وهي تكشف جزءا من الطبيعة البشرية وما فيها من قيم القوة والقسوة، ولئن كانت بعض الحروب بل اكثرها تعبر عن تفاهة الإنسان ونزعة الظلم المغروزة فيه، إلا أن بعضها يمكن اعتباره ضرورة عادلة.

وإذا سعينا في تحليل ظاهرة الحرب، فيمكن ملاحظة أنها تقوم على مرتكزين أساسيين: الهجوم والدفاع، ومن ثم احتاج الإنسان الى آلات للحرب في الحالتين؛ فاتخذ للهجوم آلات، وللدفاع أخرى، فصنع السيوف والرماح والنبال، وأعد للدفـاع: السابغات.

ولسنا ندرك بدقة متى استعمل الانسان الحديد كوقاية له في الحرب، الا أنه قبل وقت نبي الله داود عليه السلام لم تكن هذه الأدوات الوقائية على هيئة مناسبة لطبيعة الحرب وما فيها من كر وفر، ان الله سبحانه وتعالى قد كشف لنا في القرآن عننعمته علينا، بتعليم نبيه داود عليه السلام هذه الصنة، فقال:

{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} 

والمقصود باللبوس هنا: الدروع السابغات، والهدف منها هو التحصين من البأس؛ أي: الحرب. وفي سورة سبأ نجد أمر الله لداود عليه السلام بان يتقن عمل السابغات، فقال له سبحانه:

{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 

وقد تكلم المفسرون في معنى هذه الآية، وذكروا فيها أقوالا، تعود اجمالا الى طريقة عمل حلقات الدرع أو مسامير تلك الحلقات بشكل يؤدي الى تماسك الدرع وعدم وجود ثغرة فيه، وأن تكون الدروع مناسبة لحاجة الناس في الوقاية والحماية والخفة.  

وإذا استرسلنا في الحديث عن الصراع الإنساني فسنجد أنه لا يقتصر على القتال بالسيوف والرماح والأسلحة النارية، فثمة ساحات أخرى للصراع، أدواتها الأقلام والألسنة، وأهدافها الانتصار بالحجة على المخالف ان كانت حربا شريفة، أو تدمير قيمة وعقائده وسمعته بالتشويه والافتراء ان كانت حربا غير نزيهة.

وحين نطوي مراحل تاريخية طويلة، لنقف عند صفحة من أهم صفحات التاريخ كله، صفحة انطلاقة أعظم ناموس طرق الأرض؛ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فسنجد أن أعداءه قد اتخذوا ضده الحربين: الكلامية والحسية، وسلك هو في سبيل صد عدوانهم حرب الحجة والبيان، وحري السيف والرمح، وقد أخره اله سبحانه وتعالى في أول الأمرأن يجاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا، فقال تعالى:

{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} 

أي: بالقرآن، وتولى الله ذو العظمة بنفسه الرد على المشركين وأهل الكتاب فيما أثاره ضد نبيه صلى الله عليه وسلم فقـــال:

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } 

ورد رسول الله عليهم وجادلهم.

اجتهد علماء المسلمين عند كل حرب كلامية موجهة إلى الإسلام ومبانيه في مجادلة مثيريها، ونقد أدلتهم، وبيان دلائل الحق، وبراهينه، بالعقل والنقل، فأظهروا بطلانها، وقضوا بنيانها، وأقاموا البراهين على صحة دين الإسلام، وجماله، وصلاحيته لكل الأزمان.

ولا زالت الشبهات تثار ضد القرآن ورسول الإسلام وشريعة الله، ولا تخطئ عين المتابع – اليوم – اغتلام البحر في الأفق، وتلبد سمائها غيوم قاتمة، وهياجه بموجات تشكيكية عالية، امتد أثرها إلى السفن في مراسيها، فاضطرب بعضها، وتطمنت أخرى فازدادت رسوا وسكونا، بينما انفلتت حبال البعض الآخر فابتلعها اليم غير ظالم.

وما هذه الموجات الا مد جديد من الحروب الكلامية التي من اتقاها بالسابغات نجا، ومن لم يحكم نسج دروعه فأصابه سهم منها فأنفذ فهو الملام.

والذي أريده من كل ما سبق أن يكون مدخلا لبيان هدفي من الكتاب هو المساهمة في نسج دروع فكرية حصينة، يسهل حملها، وتكون وقاية بإذن الله من الموجة التشكيكية المعاصرة الموجهة ضد الإسلام وثوابته.

و سأجتهد في هذا الكتاب للاجابة عن الاسئلة التالية:

ما الأسباب التي أدت الى الحاد بعض الشباب في مجتمعنا المحلي، أو إلى انكارهم بعض الثوابت الشرعية وان ظلوا متمسكين بأصل الإسلام؟ وهل للخطاب الديني دور في ذلك؟

وما معالم الموجة التشكيكية المعاصرة وسماتها؟ وما طبيعة التأثر بها؟

وهل الاسئلة التي تشكلها هذه الموجة محدودة؟ أم أنها لا تحصر؟

وما أهم تلك الأسئلة؟ وكيف نجيب عنها؟

وما سبل وقاية الجيل الصاعد من سلبيات هذه الموجة دون أن نغلق عليهم أو أن نسليهم الرؤية والتفكير؟

وهل يمكن إعطاؤهم أدوات منهجية يتعاملون بها مع ما يطرأ عليهم من أفكار مخالفة للإسلام؟

و كيف نحاور المتأثرين ببعض هذه الإشكالات؟

وقد حرصت على إبراز مراجع مهمة في أغلب الأبواب للاستزادة ومضاعفة الفائدة.

وأصل مادة هذا الكتاب دورات قدمتها بعنوان ((كيف نتعامل مع الشبهات الفكرية المعاصرة )) مع زيادات ونفحات وصياغة جديدة.


التالى

مقالات مرتبطة بـ مقدمة

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day