فضل الإيمان (3)
3- الإيمان منة ونعمة من الله- تعالى- على عباده:
قال تعالى: ﴿ يَمُنُّونَ عليكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا على إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عليكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ . (الحجرات: 17)
قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره:" 4/219":
"يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم، يعني الأعراب الذين يمنون بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول ﷺ يقول الله رداً عليهم ﴿ قُلْ لَا تَمُنُّوا علي إِسْلَامَكُمْ ﴾ فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عليكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي في دعواكم ذلك كما قال النبي ﷺ للأنصار يوم حنين: " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟" كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن. أهـ
كما تمنن الله على المؤمنين الصادقين أيضا أن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان. قال تعالى:﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾(الحجرات: 7 )
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي- رحمه الله- في هذه الآية:
فهذه أكبر المنن: أن يحبب الله الإيمان للعبد، ويزينه في قلبه، ويذيقه حلاوته، وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام، ويبغض إليه أصناف المحرمات، والله عليم بمن يستحق أن يتفضل عليه بهذا الفضل، حكيم في وضعه في محله اللائق به. أهـ (التوضيح والبيان لشجرة الإيمان صــ34)
وأخرج الإمام مسلم عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ (البقرة:284) قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من قبل. فقال النبي ﷺ: " قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا". قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعليها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا ﴾ قال: "قد فعلت" ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ علينَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ قال: "قد فعلت"﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا ﴾ قال: "قد فعلت".
والشاهد من الحديث - والذي يدل على أن الإيمان منَّة من الله - هو قوله ﷺ: " فألقى الله الإيمان في قلوبهم"