فضل الإيمان (6)
فضل الإيمان :
6- الإيمان كالشجرة الطيبة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء:
قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ (إبراهيم: 24- 25).
ذكر ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره:"2/531" عند هذه الآية قول ابن عباس - رضي الله عنهما -:
أن قوله تعالى ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ أي شهادة "أن لا إله إلا الله"، وقوله ﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ وهو المؤمن ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ بقول "لا إله إلا الله" في قلب المؤمن ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ أي يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
وهكذا قال الضحاك، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد وغير واحد. أهـ
ويقول العلامة السعدي- رحمه الله – في كتابه توضيح البيان لشجرة الإيمان صــ26: فمثل الله كلمة الإيمان – التي هي أطيب الكلمات – بشجرة هي أطيب الأشجار موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة: أصولها ثابتة مستقرة، ونماؤها مستمر، وثمراتها لا تزال كل الوقت وكل حين تغل على أهلها. وعلى غيرهم المنافع المتنوعة والثمرات النافعة. أ هـ
وقال القاسمي- رحمه الله- في كتابه "محاسن التأويل:10/27 ": لاحظ في الممثل به – أعني الشجرة – أوصاف جليلة لتلحظ في جانب الممثل له. فمنها: كونها طيبة أعم من طيب المنظر والصورة والشكل، ومن طيب الريح وطيب الثمرة وطيب المنفعة، وكون أصلها ثابتًا أي راسخا باقياً في أمن من الانقلاع والانقطاع والزوال والفناء ليعظم الفرح به والسرور، وكون فرعها في السماء، فدل على كمال حال تلك الشجرة من جهة ارتفاع أغصانها وقوتها في التصاعد مما يبرهن على ثبات الأصل ورسوخ العروق، وجهة بعدها عن العفونات والأقذار، فتكون ثمرتها نقية طاهرة طيبة عن جميع الشوائب، وكون ثمرتها تجني كل حين فلا تنقطع بركاتها وخيراتها، ولا ريب أن وجود هذه الأوصاف مما يدل على فخامة الموصوف وإنافة فضله، ولا تخفي مطابقة هذا الممثل به للممثل له. أ هـ
ولا شك أن هذا مثل لكمال الإيمان في قلب المؤمن وكلما كانت الأرض طيبة وتعهد العبد الشجرة بالخدمة والري، كلما ضربت جذورها في أعماق الأرض وسمقت بفرعها في السماء وأثمرت الثمرات الطيبة كل حين بإذن ربها وكذلك الإيمان.
كلما ازداد إيمان العبد ويقينه بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره كلما وفق للأعمال الصالحة الزكية والأحوال الإيمانية المَرْضية ولا شك أن الذي يذوق حلاوة الإيمان من أينعت شجرته وازداد حبه لله ولرسوله ﷺ وللمؤمنين، فليس كل أحد يجد طعم الإيمان ويذوق حلاوته.
* فائدة:
شجرة الإيمان تحتاج إلى تعاهد وسقي:
يقول ابن القيم في" أعلام الموقعين "1/174": "ومنها أن الشجرة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها، فإذا قطع عنها السقي أوشك أن تيبس، فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر، والتفكر على التذكر وإلا أوشك أن تيبس، وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:" إن الإيمان يخلق في القلب كما يخلق الثوب فجددوا إيمانكم" وبالجملة فالغرس إن لم يتعهده صاحبه أوشك أن يهلك ومن هنا تعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وظفها عليها وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم.
ومنها أن الغرس والزرع النافع قد أجرى الله سبحانه العادة أنه لابد أن يخالطه دغل ونبت غريب ليس من جنسه فإن تعاهده صاحبه ونقاه وقلعه، كمل الغرس والزرع، واستوى وتم نباته، وكان أوفر لثمرته وأطيب وأزكى وإن تركه أوشك أن يغلب على الغرس والزرع ويكون الحكم له، أو يضعف الأصل، ويجعل الثمرة ذميمة ناقصة بحسب كثرته وقلته، ومن لم يكن له فقه نفس في هذا ومعرفة به فإنه يفوته ربح كثير وهو لا يشعر فالمؤمن دائما سعيه في شيئين سقي هذه الشجرة، وتنقية ما حولها فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حولها تكمل وتتم والله المستعان وعليه التكلان". أهـ