الشبَهات حول اسم الله (الرؤوف)
الشبهة الأولى:
يقول القائل: هناك تعارض بين رأفة الله وعقوبة العاصين.
الرد عليها:
فأولا : اعلم أن المرجع في معرفة كون الذنب كبيرا أو صغيرا إنما هو الشرع المطهر، وليس عقل الإنسان المجرد، فما اعتبره الشارع معصية كبيرة فهي كبيرة، وما اعتبره الشارع معصية صغيرة فهي صغيرة.
ثانيا: أنه كما نحن مأمورون بالإيمان برحمة الله وسعتها، فنحن مأمورون أيضا بالإيمان بأنه شديد العقاب. قال تعالى:
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:98}
والله تعالى أعلم من يدخل في رحمته، ومن يعد له العذاب الأليم.
ثالثا: من رحمة الله بعباده أن حذرهم وأنذرهم نقمته وعقابه، ليجتنبوا ما يسخطه عليهم، ويسلكوا سبيل مرضاته. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ {آل عمران:30}
قال: من رأفته بهم حذرهم نفسه. الدر المنثور.
رابعا: من مظاهر رحمة الله أيضا أن أمهل العصاة ليتوبوا ولم يؤاخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم. قال تعالى:
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا {الكهف:58}
خامسا: إن رحمة الله سبحانه تغلب غضبه، كما في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي. وقد يتخلف الوعيد عن العصاة لأسباب عديدة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها: الاستغفار، ومنها: الحسنات الماحية، ومنها: المصائب المكفرة، ومنها: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: شفاعة غيره، ومنها: دعاء المؤمنين، ومنها: ما يهدى للميت من الثواب والصدقة، والعتق، ومنها: فتنة القبر، ومنها: أهوال يوم القيامة، ثم قال: فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً فهو كاذب مفتر. اهـ.
الشبهة الثانية:
يقول القائل: تشريع ذبح الأضاحي يتعارض مع رأفة الله
الرد عليها:
لا تعارض بين الرحمة بالحيوان والامتثال لأمر الله بذبحه للانتفاع الذي أذن الله به ولتحقيق وظيفة هذا الحيوان في الكون التي خلقها الله من أجله وهي أن يأكله الإنسان ليحدث التوازن البيئي الكوني.
فهناك اتفاقا بين البشر على منفعة أكل لحوم الحيوانات مأكولة اللحم "الجمال البقر الماشية الأرانب" أو الطيور "الدجاج الأوز البط الحمام" ولا يعقل أن يأكل الناس هذه الحيوانات والطيور وهي حية فلا بد من قتلها.
إذن فإن عقلاء البشر يتفقون على ضرورة قتل الحيوان للاستفادة من منفعته التي خلقها الله وجاء الإسلام بالإذن في ذلك، إلا أنه حدد وسيلة ذلك القتل ألا وهي الذبح، وغير المسلمين من أصحاب الدعوات الحديثة يرون أن قتل الحيوان بالذبح تعذيب له؛ ويرون أنه من الرحمة قتله بالصعق الكهربائي أو الضرب على رأسه، وهذا أمر يتنافى مع الشرائع السماوية لمختلف الأديان كاليهودية بل يتنافى كذلك مع التقارير الطبية الحديثة.
فالحيوان مسخر للبشر وغير قادر على التعبير عن احتياجاته وآلامه ولذلك كان الاهتمام به أكبر، فنرى رسول الله ينهى عن قتل العصفور فقال: "ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حق إلا سأله الله عز وجل عنها"، ويبين أن الإساءة للحيوان وتعذيبه والقسوة معه تدخل الإنسان في عذاب الله ونار جهنم والعياذ بالله فيقول النبي، عليه الصلاة واللسلام "دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
ولفت إلى أن الإسلام جعل دخول الجنة جزاء للرفق بالحيوان وأن الرفق به قد يكون سببا في تجاوز الله عن كبائر وقع فيها الإنسان فقال "بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به".
وأوضح، أن الإسلام حرم قتل الحيوان جوعا أو عطشا وحرم المكث على ظهره طويلا وهو واقف وحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقة وحرّمت الشريعة التلهي بقتل الحيوان كالصيد للتسلية لا للمنفعة واتخاذه هدفا للتعليم على الإصابة ونهى الإسلام عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم أو تحريشها ببعضها بقصد اللهو وأنكر العبث بأعشاش الطيور وحرق قرى النمل.
وقال إنه قد أوجب الإسلام نفقة مالك الحيوان عليه فإن امتنع أُجبر على بيعه أو الإنفاق عليه أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه وإذا لجأت هرة عمياء إلى بيت شخص وجبت نفقتها عليه حيث لم تقدر على الانصراف.
وتابع: "لم يعاقب المسلمون الحيوان بما جنى على غيره وإنما عاقبوا صاحبه إذا فرّط في حفظه وربطه ومنعوا أن يؤجّر الحيوان لمن عُرف بقسوته على الحيوان خشية أن يجور بقسوته وغلظته عليه".
وقد حول المسلمون الرحمة بالحيوان في حضارتهم إلى واقع معيش فأنشأوا مساقي الكلاب وفي العصر المملوكي وبالتحديد في تكية محمد بك أبوالذهب بنيت صوامع للغلال لتأكل منها الطير وأنشأوا مبرات للبيطرة وصيروها علماً لتخفيف الألم عن الحيوان.