حظ المؤمنين من اسم الله : الرحمن، الرحيم
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ،اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وقال الله تعالى :
( حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) فصلت
إخوة الإسلام
ماذا عن حظ المؤمن من اسم الله تعالى : ( الرحمن ، والرحيم ) : فحظ المؤمن بعد فقه رحمة الرحمن الرحيم أن يرحم الناس، ويتخلق بخلق الرحمة فالرحمة من الأخلاق العظيمة التي حضَّ الله سبحـانه عباده على التخلُّق بها، ومدح بها أشرف رسله، فقال جلَّ وعلا:
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]
ومدح النبي أفضل أصحابه من بعده بهذه الصفة، فقال:« أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ) (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فكأن من يتصف بالرحمة ينال درجة الصديقين، وهي أعلى الدرجـــات عند الله تعالى، وبيَّن أن الرحمة تنــال عبــاده الرحمــاء، كما قال: « هَذَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ » (متفق عليه)، والشقي هو الذي نزعت من قلبه الرحمة، قال:
« مَنْ لاَ يَرْحَمِ النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ » (متفق عليه)
وعن عائشة قالت: ” جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ . فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ » (متفق عليه) ،
2- وأن يحافظ على تلاوة القرآن، قال تعالى:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82]،
فقراءة القرآن رحمة، وتدبُّر القرآن رحمة، وكل تعلَّقٌ للمؤمن بكتاب الله جلَّ وعلا مستوجبٌ لنزول الرحمة.
3- وأن يحافظ على صلاة أربع ركعــات قبل العصر، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« رَحِمَ اللَّهُ امْرَءاً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعاً »
(رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني)، وهي ليست من السُنن المؤكدة، لكن تُستنزل بها الرحمــات.
4- وأن يكثر من المكوث في المسجد، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا وَلاَ تَزَالُ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِى الْمَسْجِدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ »
(رواه الترمذي وصححه الألباني).
5- وأن يحافظ على عيـــادة المرضى، عن جابر قال: قال رسول الله: ففي صحيح ابن حبان «من عاد مريضا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس فإذا جلس غمر فيها » ،
6- وأن يمتثل طاعة الله ورسوله، فهي من أعظم أسبــاب الرحمة، وكلما كان العبد أطوَّع لله، كان أكثر استحقاقًا لاستنزال الرحمة به، قال تعالى:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].
7- وأن يتخلق بخلق الإحســـان: فالإحســـان يبدأ من الإتقان وتجويد العمل، ويصل إلى المنزلة العظمى من منازل الإيمان وهي: أن تعبد الله كإنك تراه، كما جاء في حديث جبريل حينما سأل النبي عن الإحسان، (قَالَ مَا الإِحْسَانُ قَالَ
« أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ») (متفق عليه)
وهذه المنزلة العظمى تقتضي مراقبة الله جلَّ وعلا في السر والعلن، فإن كنت تريد أن تتنزل عليك الرحمة: راقب قلبـــك وحالك في الخلوات ، فإن كنت مستقيم الحال في خلوتك، فاعلم أن هذا من أعظم أسبـــاب استنزال الرحمة عليك، يقول تعالى:
{..إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]
8ـ ومن آثار الرحمة هذه السكينة التي يجدها المؤمنون في معية ربهم فما دام المؤمن مع الله فإن رحمة الله وعنايته تصحبه ، ولو كان في غار مظلم موحش فالفتية أصحاب الكهف سألوا ربهم أن يصيبهم برحمته
{ إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً}
{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً }
فإذا الغار الموحش المظلم يغدو فسيحاً مضيئاً ، وإذا الكهف الكئيب يصبح مع العيش طيباً سعيداً !إنها رحمات الله سبحانه ونفحاته تهون تلك الوحشة ، وتفسح ذلكم الضيق .
كيف ندعوا الله باسميه الرحمن الرحيم؟ :
1- أن نثني على الله عزَّ وجلَّ في كل حالك وأكثِر منه بين الخلائـــق، فتتحدث بنعمته ورحمته عليــك، وتقول: يا لرحمة الله، وافرحي برحمة الله تعالى: قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
2- أن يُكثر العبد من سؤال ربِّه الرحمة، فيقول: اللهم ارحمني، اللهم ارحمني. فإذا دعوت الله، فاعزم في الدعــاء ولا تتردد، (روى مسلم ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ. لِيَعْزِمْ فِى الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لاَ مُكْرِهَ لَهُ ».
إخوة الإسلام
وهُناك رحمةٌ عامة، وهناك رحمةٌ تامة، الرحمة التامة ما توافرت فيها الإرادة والعمل، الرحمة العامة ما أصابت المُستحق وغير المُستحق، يعني أحياناً تهطل أمطار غزيرة، هذه الأمطار تُفيد الناس جميعاً، فهذه الرحمة العامة، لكن الرحمة الخاصّة لا ينالُها إلاّ المُستحق. رحمة الله العامة، العامة موجودة لجميع الناس، العامة أن تتنفس الهواء وتشرب الماء وتأكل الطعام، وتنام على فراش، والقلب منتظم والرئتان والكليتان، والعضلات والأعصاب والأولاد في البيت والزوجة والعمل، هذه رحمة عامة، هذه يستوي فيها المؤمن وغير المؤمن وقد تجد غير المؤمن متفوقاً كثيراً في هذه الأنواع على المؤمن، ولكن الرحمة الخاصة، حينما يُلقي الله في قلبك نوراً، حينما يُعلِّمُكَ الله، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلَّمه، حينما يُلهِمُكَ الله سواء السبيل، حينما يُلِهِمُكَ الله رشدك، حينما يُقيّض الله لك مَن حولك لتكون معهم في معيّة وفي صحبة طيبة، حينما يجعل الله بركة في مواقعه وعند أهل الحُفّاظ لا عند أهل الجحود، هذه رحمة الله عز وجل، ولعلك تقول : ما معنى كونه تعالى رحيماً ، وكونه أرحم الراحمين ، والرحيم لا يرى مبتلى ومضروراً ومعذباً ومريضاً ، وهو يقدر على إماطة ما بهم إلا ويبادر إلى إماطته . والرب سبحانه وتعالى قادر على كفاية كل بلية ، ودفع كل فقر وغمة ، وإماطة كل مرض وإزالة كل ضرر ، والدنيا طافحة بالأمراض والمحن والبلايا ، وهو قادر على إزالتها جميعها ،وتارك عباده ممتحنين بالرزايا والمحن .فجوابك : أن الطفل الصغير قد ترق له أمه فتمنعه عن الحجامة والأب العاقل يحمله عليها قهراً والجاهل يظن أن الرحيم هي الأم دون الأب ، والعاقل يعلم أن إيلام الأب إياه بالحجامة من كمال رحمته وعطفه وتمام شفقته وأن الأم له عدو في صورة صديق فإن الألم القليل إذا كان سببا للذة الكثيرة لم يكن شرا بل كان خيرا . فالله سبحانه وتعالى عطاؤه عطاء ومنعه عطاء ، ولا يفقه ذلك الا المؤمنون