الشبَهات حول أسماء الله (الشاكر - الشكور)


فريق عمل الموقع

الشبهة الأولى:

يقول القائل: إذا كان الشكر من الله عز وجل إنما هو مجازاة العاملين ومقابلة الأفعال بالثواب والجزاء، فقولوا إنه يشكر أيضًا أفعال الكفار لأنه يجازيهم عليها.

الرد عليها:

قيل له: ذلك غير جائز لأن الشكر في اللغة إنما هو مقابلة المنعِم على فعله بالثناء والاعتراف بفعله، ولما كان المسيء من العباد لا يقال له منعم ولم يستحق بذلك شكرًا بل استحق الذم والسب، لم يجز أن يكون الكفار محسنين في أفعالهم فيستحق الجزاء عليها والمقابلة بالجميل، بل كانوا مسيئين، والمسيء مستحق للعقوبة، فلم يجز أن يسمى الفعل المقابل لفعالهم شكرًا. [اشتقاق أسماء الله الحسنى للزجاجي 1/87].

فالله تعالى حكيم عليم، يضع الأشياء في مواضعها ويوقعها في مواقعها، وهو سبحانه لكمال حكمته لا يسأل عما يفعل، وهو سبحانه إذا أمهل العصاة والكفار والفجار، فلم يعاجلهم بالعقوبة، فهذا استدراج منه لهم، كما قال تعالى:

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام:44}

والآيات في إملائه سبحانه للكفار واستدراجه لهم بما يمدهم فيه من صنوف النعم كثيرة، منها مثلا قوله تعالى:

فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ {المؤمنون54: 56}.

فما تراه من العيش الرغيد والتنعم بزهرة الدنيا الذي يتمتع به الكفار ليس إلا استدراجا من الله وإملاء منه لهم، قال تعالى:

لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ {آل عمران 196: 197}

الشبهة الثانية:

يقول القائل: أعمل الكثير من الطاعات وأعمال الخير ولا أجد الثواب الذي هو شكر الله.

الرد عليها:

يجاب عليه بأنه إنما أراد ثواب الدنيا والمصلحة الدنيوية فحسب، وحكمه على النحو الآتي:

فعل العبادة من أجل الحصول على غرض دنيوي من غير التفاتٍ للثواب الأخروي يعتبر من العمل من أجل الدنيا الذي قال الله تعالى فيه:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. {هود: 15، 16}

وهذا لا ثواب لصاحبه؛ قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: من عمل صالحًا التماس الدنيا، صومًا أو صلاة، أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله: أُوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين. وهكذا روي عن مجاهد، والضحاك، وغير واحد. اهـ. ويدل على ذلك أيضًا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ. رواه أحمد في المسند، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني، وقد بوب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه "التوحيد" بابًا فقال: "بابٌ من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا". وذكر فيه تلك الآية الكريمة، والله تعالى يريد منّا أن تكون همتنا مصروفة إلى ثوابه الأخروي، كما قال تعالى:

تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ. {التوبة: 67}

والمعنى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} أي: متاعها، ويعني به ما أخذ من فدية الأسرى {وَاللَّهُ يُرِيدُ} لكم {الآخِرَةَ} وما فيها من نعيم مقيم.

ولكن ليس كل عمل صالح التفت قلب فاعله إلى غرض دنيوي داخلًا في هذا الوعيد والذم، وقد فصل أهل العلم في هذه المسألة وبينوا الضابط الذي يدخل في هذا الوعيد من غيره؛ قال الشيخ/ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد:

والأعمال التي يعملها العبد ويستحضر فيها ثواب الدنيا على قسمين:

القسم الأول: أن يكون العمل الذي عمله، واستحضر فيه ثواب الدنيا وأراده، ولم يرد ثواب الآخرة، لم يرغب الشرع فيه بذكر ثواب الدنيا، مثل: الصلاة، والصيام، ونحو ذلك من الأعمال والطاعات، فهذا لا يجوز له أن يريد به الدنيا، ولو أراد به الدنيا، فإنه مشرك ذلك الشرك.

والقسم الثاني: أعمال رتب الشارع عليها ثوابًا في الدنيا، ورغب فيها بذكر ثواب لها في الدنيا، مثل: صلة الرحم، وبر الوالدين، ونحو ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه»، فهذا النوع إذا استحضر في عمله حين يعمل ذلك العمل، استحضر ذلك الثواب الدنيوي، وأخلص لله في العمل ولم يستحضر الثواب الأخروي، فإنه داخل في الوعيد، فهو من أنواع هذا الشرك، لكن إن استحضر الثواب الدنيوي والثواب الأخروي معًا، له رغبة فيما عند الله في الآخرة ويطمع في الجنة، ويهرب من النار، واستحضر ثواب هذا العمل في الدنيا، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الشرع ما رغب فيه بذكر الثواب في الدنيا إلا للحض عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «من قتل قتيلًا فله سلبه»، فمن قتل حربيًّا في الجهاد لكي يحصل على السلب، ولكن قصده من الجهاد الرغبة فيما عند الله -جل وعلا- مخلصًا فيه لوجه الله، لكن أتى هذا من زيادة الترغيب له ولم يقتصر على هذه الدنيا، بل قلبه معلق أيضًا بالآخرة، فهذا النوع لا بأس به ولا يدخل في النوع الأول مما ذكره السلف في هذه الآية. اهـ

وعلى هذا التفصيل؛ فإن من اعتمر وليس في نيته إلا غرض دنيوي كالحصول على مولود فإنه يخشى أن لا يؤجر على عمرته، وإن كان في نيته الغرض الدنيوي والثواب الأخروي فمن أهل العلم من قال لا ثواب به، ومنهم من قال العبرة بما غلب، فإن غلب الغرض الدنيوي فلا ثواب وإلا ففيه الثواب، قال السيوطي في الأشباه والنظائر: وَمِنْ نَظَائِر ذَلِكَ: مَسْأَلَة السَّفَر لِلْحَجِّ وَالتِّجَارَة، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا أَجْر لَهُ مُطْلَقًا، تَسَاوَى الْقَصْدَانِ أَمْ لَا، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ اعْتِبَار الْبَاعِث عَلَى الْعَمَل، فَإِنْ كَانَ الْقَصْد الدُّنْيَوِيّ هُوَ الْأَغْلَب لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْر، وَإِنْ كَانَ الدِّينِيّ أَغْلَب كَانَ لَهُ الْأَجْر بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَسَاوِيَا تَسَاقَطَا، قُلْت: الْمُخْتَار قَوْل الْغَزَالِيِّ; فَفِي الصَّحِيحِ وَغَيْره: "أَنَّ الصَّحَابَةَ تَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوْسِم بِمِنًى فَنَزَلَتْ:

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]

فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ ... اهـ.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الشبَهات حول أسماء الله (الشاكر - الشكور)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day