خطبة عن اسم الله: (العزيز)


موقع/ الشيخ حامد إبراهيم

 الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وقال سبحانه (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) البروج 8،   

إخوة الإسلام 

اليوم إن شاء الله موعدنا مع اسم من أسماء الله الحسنى ، ألا وهو اسمه ( العزيز ): يقول الله تعالى في محكم آياته (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) آل عمران 62،  ويقول سبحانه (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) النمل 78 ، وقال سبحانه (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )  الشعراء 191، وقال سبحانه (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) البروج 8،   فما معنى العزيز ؟ ، من معاني العزيز : ( أنه الذي لا مثيل له، ولا مشابه له، ولا نظير له ) ، فمعنى عز يعز أي ندر وجوده أو لا مثيل له ولا مشابه له ولا نظير له ، ومن معاني العزيز : ( أي المعز لمن يشاء من عباده ) ، والعزيز (هو الفرد الذي يحتاجه كل شيء في كل شيء) ، والعزيز هو : ( من ضلت العقول في بحار عظمته وحارت الألباب دون إدراك نعمته وكلت الألسن عن وصف كمالاته ووصف جماله. ( ومن معاني العزيز : (هو  القوي الشديد الغالب ، الذي لا يقهر ولا يغلب لأنه قوي ) ، فهو سبحانه ، يقهر ويغلب كل مخلوقاته ، ولكنه لا يغلبه أحد ولا يقهره ، وهو سبحانه عزيز ، ولكن عزته ليست كعزة العبيد من البشر ، فالعزيز من البشر ، إن كان عزيزا بقوته ، طغى وتجبر ، وإن كان عزيزا بماله ، فسد وفجر ، وإن كان عزيزا بمنصبه تعالى وتكبر ، ولكن الله سبحانه وتعالى عزته مقرونة بحكمته ، وعزته مقرونة بعلمه ، وعزته مقرونة برحمته ، وهو سبحانه وتعالى عزيز ، ولكنه لا يظلم أحدا لأنه عادل ، يقول ابن القيم في النونية  :-

 وهو العزيز فلن يُرام جنابه                أنى يُرام جناب ذي السلطان

وهو العزيز القاهر الغلاب لم                يغلبه شيء هذه صفتان

وهو العزيز بقوة هي وصفه                فالعز حينئذ ثلاث معان

وهي التي كملت له سبحانه                 من كل وجه عادم النقصان

ولأن الله عزيز فلا يتطلع أحد إلى أن يُنازع الله ؛  عزته و عظمته عز وجل ، وإن زعم بعض الكفرة والطواغيت أنه: “ربهم الأعلى”، وقال آخر: “أنا أحيي وأميت”، وقال ثالثهم: “أولك ربٌّ غيري؟!” فما هذا إلا مكابرة، ولما قال إبراهيم عليه السلام للنمرود : {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}، قال الله عز وجل:  {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: من الآية 258]  


وحظ المؤمن من اسم الله العزيز  في حياته : أن العبد إذا علم أن الله  عزيز لا يُغلب ولا يقهر يتولد في نفسه شجاعة وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى؛ فهو عبد للعزيز سبحانه ،  والذي لا يغلب ولا يقهر. لذا تجد بعض الصالحين حين يتعاملون مع الأمراء والسلاطين يتعاملون بثقة وصمود وشموخ ولا يخشون في الله لومهم أو بطشهم. .لسان حالهم يقول:(قد لذنا بالعزيز القهار فمن علينا ؟! ) ،وانظر معي إلى هذه المحاورة التي تثبت عزة المؤمن ، وثقته بربه ، وقد كانت بين الحجاج وسعيد بن جبير محاورة :(قال الحجاج: ويلَكَ يا سعيد. قال: لا ويلَ لمن زُحْزحَ عن النار وأدخل الجنة. قال الحجاج: اختر يا سعيد أَيَّ قتلة أقتُلُك. قال: اختر لنفسك يا حجاج فو الله لا تقتُلني قتلة إلا قتلك الله بها يومَ القيامة. قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان العفو، فمن الله، وأما أنت، فلا براءة لك ولا عُذر. قال الحجاج: اذهَبوا به فاقتُلوه، فلما خرج ضَحِكَ، فأخبر الحجاج بذلك فَرَدَّهُ، وقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جراءتك على الله وحِلم الله عليك، فَأَمَرَ بالنِّطع فبُسطَ، وقاَل: اقتُلوه. قال سعيد:

{وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]

قال: وجِّهوا به لغير القبلة. قال سعيد:

{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]

قال: كُبُّوه لوجهه. قال سعيد:

{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]

قال الحجاج: اذبَحُوه. قال سعيد: أما إنّي أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وأن محمدًا عبدُه ورسوله، خُذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد فقال: اللهم لا تُسلِّطْهُ على أحد يقتله بعدي، وكان قَتْلُه في شعبان سنة خمس وتسعين للهجرة بواسطٍ، ومات الحجاج بعده في شهر رمضان من السنة المذكورة، ولم يُسَلِّطْه الله عز وجل على أحد يقتُلُه بعده إلى أن مات. )

أيها المسلمون

إنه الله العزيز ، فإذا اشتد الكرب بالعبد المؤمن ؛ لجأ إلى العزيز، وتوكل عليه وفوض أمره إليه سبحانه وتعالى، فهو عز وجل العزيز الغالب على أمره، المنتقم من أعدائه، ومن آمن بأن العزة لله؛ لم يطلبها من غيره، وطلبه لها يكون بطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. والله العزيز،  لا يخذل أحدًا ارتمى بجنابه والعكس صحيح، فإذا ارتميت أنت على أبواب خلقه ذُللت ولابد لأنه لا يصح أن تتعزز بغيره؛ ولذلك قالوا : أبى الله إلا أن يذل من عصاه. فإذا خالفت أمره وحِدْتَ عن طريقه ، ذللت وما كانت لك العزة . ومن يتصف بهذه الصفة وهو مؤمن بها تمام الإيمان يحيا بين البرية رافعا لرأسه شامخا صامدا، يمضي في الأرض لا يخشى في الله ملكا ولا سلطانا ولا لومة لائم. ويتصف بالشجاعة المحمودة لا التهور ولا الطيش ، فشجاعته تحمل معنى الحكمة والثقة والصمود والشموخ، شجاعة  لا تعرف الجبن ولا الارتجاف ولا التذبذب ولا الاضطراب. . وانظر في قصص الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلوات والتسليم  ترى ذلك واضحًا جليًا:  انظر في قصة موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حين حاول فرعون أن يمنع خروج هذا الصبي إلى الدنيا ،بأن أمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل ، لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه، يأبى العزيز إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.. فيولد موسى عليه السلام . ثم يكون من كمال قهره وغلبته وبيان عزته سبحانه وتعالى أن يتربى موسى عليه السلام في قصر فرعون وفي بيته وتحت رعايته ، ولما حاول أن يقتله أهلكه الله ، هو وقائده وهامان وجنوده أجمعين. .فكان نتاج ذلك :(إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) إنها الثقة العالية في قلب سيدنا موسى(عليه السلام ). وهكذا الأمر بالنسبة  ليوسف عليه السلام:  أراد إخوته قتله في أول الأمر ولم يكن لهم سبيل لذلك.. إذ خالف مرادهم مراد العزيز الذي متى ما أراد امرا أتمه وأمضاه. ثم يأتي فتح الله عليه ويُمكن له ببلاد مصر والحكم بها. ولما حاول اليهود قتل عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام 

﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾.[النساء/158]

وهكذا كان الأمر أيضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين مكر به الكفار ليقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه من بلدته

﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال/30]

وحاولوا أن يصدوا الناس عن الإيمان به وبدعوته وحاربوه وألبوا عليه القبائل لكن يأبى الله العزيز إلا أن يفتح على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾. [الفتح/1]. فإن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله

﴿ … وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران/26]

فمن طلب العز فليطلبه من رب العزة ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا …. ﴾ [فاطر/10]، ومن كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تحصل له العزة.  فمع عظم الطاعة تزداد العزة ولذا فأعز الناس هم الأنبياء ثم الذين يلونهم من المؤمنين المتبعين لهم وعزة كل أحد بقدر علو رتبته في الدين فإنه كلما كانت هذه الصفة فيه أكمل كان أشد عزة وأكمل رفعة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾  [المنافقون/8] ، وإذا استبدل طاعته بذنوب ومعاصي فلا يعجب إذا وجد ذلة وصغار خاصة إذا كانت ذنوب كالكبر والعجب. .فصاحبها يأبى الله العزيز إلا أن يذله حتى يعرف قدر نفسه.

  والعزيز لا عزيز عنده. .فإياك والتعزز مع الله  ، وقد يقع الكثيرون في هذه المخالفة خاصة في بداية الطريق، تجده لما يفتح له في الطاعة ويستقيم ويستشعر قدره عند الله ويفرح بحاله يتهاون بعدها في المخالفة ظنّا منه أن ما بينه وبين الله يشفع له.. أو أن الله لن يؤاخذه بها وسيتجاوز عنه فهو حبيبه. .وهذا معنى خطأ ويؤتى منه  الكثيرون، إذ أن أخطاء المقربين أعظم عند الله من غيرهم ، وعقوباتها أشد. ولذلك انظر إلى قول الله تعالى في يونس عليه السلام :

﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[الصافات 143،144]

لولا أنه قال هذا الدعاء لم يكن له أي شيء. .ويونس من؟ إنه نبي. . ورغم ذلك نبوته لم تشفع له عند الله حينما تصرف دون إذن وخرج من قريته إلى أخرى. وانظر إلى قول الله عز وجل في حق حبيبه رسول الله محمد  

﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ*ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة/44:47]

فانظر إلى الشدة في الخطاب ، والشدة في الأخذ ، ومع من؟ مع الأنبياء .. فكيف بك لو خالفت الله؟ أو تعززت معه ؟

أيها المسلمون

 وحتى تحصل لك العزة من الله فعليك بأسبابها: وأول أسبابها : الذل والتواضع والعفو للمؤمنين ، ففي صحيح مسلم : 

(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ »

ومن أسباب العزة ، التمسك بالإسلام  ، والحرص على الطاعات ، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:  “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”  وكان من دعاء السلف: “اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك”  فصاحب الطاعة عزيز، وصاحب المعصية ذليل، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-  في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من حديث ابن عمر: (وَجُعِلَ الذُّلُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى ) ومن أسباب العزة : سؤال الله تعالى، والتضرع إليه بهذا الاسم العزيز،  روى الترمذي في سننه (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِي أَنَّهُ قَالَ : أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَانَ يُهْلِكُنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « امْسَحْ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ ».  

                                                           الدعاء 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ خطبة عن اسم الله: (العزيز)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day