اسم الله العظيم (خطبة)
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
حديثنا اليوم عن اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته العلى: (العظيم)؛ فلا أحد له العظمة والكبرياء إلا الله العلي العظيم، فالله جل وعلا هو العظيم، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾، وقال تعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾، وفي الحديث القدسي، قال الله تعالى: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار) رواه أبو داود بسند صحيح. وهو وحده المستحق للتعظيم والتأله والخضوع والذل. فهذا حق له جل وعلا لا ينازعه فيه أحد، فهو الذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت له القلوب، وذلت له الرقاب، وخضعت له راغمة أو راضية العباد؛ فلله التبجيل والعظمة والكبرياء، له ما في السماوات وما في الأرض، وهو الذي وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم، فالله هو الذي يستحق أن يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه، ولم لا وهو القائل:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [النمل: 26]؟
الله هو الذي يستحق أن يتوكل العباد عليه:
﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]
فالله ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه، فإن كان العباد يعظم بعضهم بعضا لصفة من الصفات؛ فهناك من يعظم لملكه (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم)، ومنهم من يعظم لماله، أو لسلطانه وجاهه، أو لعلمه؛ فالعباد يعظموا لمعنى دون معنى أما الله فهو يعظم في كل الأحوال، فهو الذي جاوز قدره حدود استيعاب العقول، حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته وكيفيته؛ فينبغي لمن عرف عظمة الله ألا يتلفظ بلفظ لا يحبه الله، ولا يأتي بفعل لا يرضاه الله، فالله عظيم في ذاته، عظيم في علمه، عظيم في أسمائه، عظيم في سمعه وبصره وصفاته، عظيم في قدرته وقوته وعلمه، عظيم في انتصاره وانتقامه. فلا تنقص عظمته في شيء دون شيء، قال ابن القيم رحمه الله:
وهو العظيم بكل معنى يوجب الـ *** ـتعظيم لا يحصيه من إنسان
إن بعض البشر عندهم عظمة، ولكن هذه العظمة ليست كاملة، وليست شاملة، وقد تسلب منهم بلحظة أو ثانية، قد يكون عظيماً فيلحقه العجز بآفة تدخل عليه، فتوهنه وتضعفه، قد يصيب ماله انكسار، وقد تعتري صحته أسقام، وقد يصيب جاهه زوال، قد يكون عظيما في شبابه، ولا يكون كذلك عند شيبه، قد يكون سلطاناً معظماً في قومه، فيزول سلطانه، أو يفارق قومه وتذهب عظمته. وأما الله فهو ذو العظمة التامة الكاملة، لا يعتريها نقص، ولا تشوبها شائبة، كل العباد خضعوا له بالعبودية، رضاً أو كرهاً. فهل يا ترى يستطيع أحد مهما كان جبروته وكفره أن يتمرد على أقدار الله؟ هل يستطيع أن يرد مرضاً، أو موتاً، أو مصيبة؟ أين الجبابرة الذين حادوا الله: فرعون ومن هو على شاكلته؟ هل منعوا الملائكة من قبض أرواحهم من أجسادهم؟ إن بعض البشر كانوا عظماء في زمن دون زمان، عظماء في شبابهم؛ ولكنهم أذلاء عند موتهم، فخضع رغماً عنه لأقدار الله، وثبت له قسراً أنه عبد من عباد الله، يخضع لله شاء أم أبى. فالله أعظم من كل شيء، ولا يعجزه شيء.
فعلى المسلم أن يعظم الله جل وعلا حق تعظيمه، ويقدره حق قدره، ومن تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم لربه - حينما دخل - صلى الله عليه وسلم - على ابنة الـجَوْنِ ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك! فقال - صلى الله عليه وسلم-: (لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك) رواه البخاري. فهذا من تعظيمه لربه جل وعلا.
• ومن تعظيم الله سبحانه وتعالى: الإكثار من ذكره؛ ولذا يعظم الله في الركوع فتقول: (سبحان ربي العظيم) لقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما الركوع فعظموا فيه الرب)، رواه مسلم. كذلك يقول في ركوعه وسجوده: (سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ) رواه النسائي بسند صحيح.
• ومن تعظيم الله سبحانه وتعالى: أن يعظم أمره ونهيه، وأن يعظم كتابه، فتعظم أحكامه، ويعظم المصحف؛ فلا يلقى على الأرض، ولا تمد نحوه الأقدام، فكيف يطيق مسلم أن يمد قدمه نحو كتاب ربه؟! لو مدت نحوه قدم لغضب وشعر أنه يستخف به، وتجده لا يبالي أن يمد قدمه لكتاب الله، فأي تعظيم لدى هذا لكتاب الله؟ وأي قسوة في قلبه؟ فإن كانت قدمه مصابة فليبحث عن مكان في المسجد ليس أمامه فيه أماكن حفظ القرآن الكريم، فمن عظم ربه عظم كتاب ربه، كذلك على المسؤولين في المساجد ألا يضعوا المصاحف خلف الظهور، أو في مستوى الأقدام. وأن تعظم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا يُعارضهما معترض، وأن يعظم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يعظم أصحابه، وأزواجه؛ فلا يُساء إليهم. وأن تعظم شعائره، وأن تعظم بيوته، فإذا أتى الإنسان إلى بيت الله فلا يأت بثياب لا يليق أن يقابل بها من له هيبة، أو مكانة؛ فإن البعض إذا أتى لبيوت الله لبس ما اتفق له من ثياب دون إجلال لله، ولبيوت الله. ويجب أن تعظم فرائضه، وأن يعظم اسمه؛ فلا يلقى على الأرض ما فيه اسم الله، أو يدخل به في أماكن الخلاء. فجميع شعائر الله تعظم؛ لقوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]
• ومن تعظيم الله اجتناب النواهي، وعدم الاستخفاف بها، وعدم تحليل ما حرمه، أو تحريم ما أحله، قال العظيم جل في علاه: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]. لقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن من أسباب دخول النار، كما قال: (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) فلما لم يعظموا الله حق التعظيم؛ أذاقهم الله العذاب العظيم
• ومن تعظيم الله أن تعظم عباده الصالحين؛ فلا تستخف بهم، ولا تنهش في أعراضهم.
• إن من عظم اسم العظيم أنه إذا دُعي به للمريض الذي لم يحضره أجله برأ، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده مراراً: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك؛ إلا عافاه الله من ذلك المرض) رواه الترمذي وغيره بسند صحيح.
• ومن أدعية الكرب تعظيم الله جل وعلا:
1- " لَا إِلَهَ إِلا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) رواه البخاري ومسلم.
2- " لَا إِلَهَ إِلا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " لا إله إلا الله رب العرش الكريم) رواه مسلم.
3- «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْكَرِيمُ الْعَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح.
4- (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح.
• فكم من مريض أعلن الأطباء يأسهم من شفائه، وقنوطهم من علاجه؛ ولكن الله أظهر لهم عظيم قدرته، وقهر بعظمته مرض المريض فشفاه.
• فانظر إلى تعظيم الله جعله الله شفاء للأسقام، وتفريجاً للكربات.
• وجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - تسبيح الله باسمه العظيم: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) رواه البخاري، فهي من الكلمات الحبية إلى الرحمن.
• وانظر إلى عظم هذا الاسم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، وَإِذَا أَمْسَى كَذَلِكَ، لَمْ يُوَافِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ بِمِثْلِ مَا وَافَى» رواه أبو داود بسند صحيح. فنال هذا الأجر بسبب تعظيمه لربه.
عباد الله، إن الله تعالى هو العظيم الذي يُعظم الرزق لعباده، والأجر والثواب، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]
ففضله عظيم، لا يقدر أحد من العباد أن يحصيه، ولا أن يحيط بمقداره، فهو عظيم في عطائه، قال تعالى: (والله ذو الفضل العظيم)، فهو صاحب الفضل العظيم كمية وكيفية، شمولا في المكان والزمان فعظم أزمنة معينة، وأماكن معينة، وقال - صلى الله عليه وسلم - (" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُعَظِّمَ اللهُ رِزْقَهُ، وَأَنْ يَمُدَّ فِي أَجَلِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ") رواه أحمد بسند صحيح. فالله سبحانه وتعالى لا تتعاظم عليه المسائل مهما عظمت وكبرت وكثرت، قال - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ" رواه مسلم.
• وكم من جبار وكم من خائن خدع واحتال، وظن أنه نجا من الرقيب البشري، واحتال على القانون والنظام، ولكن الله قهره وأذله، وبعظمته أمكن منه! فالله عظيم في قهره، عظيم في ملكه، عظيم في وجوده، عظيم في علمه. فهو فعال لما يريد. ولو استرسلت في الكلام عن العظيم لطال بنا المقام؛ فعظموا الله في أنفسكم، وفي أقوالكم وأفعالكم، وربوا على ذلك أهليكم وأولادكم.