من أسماء الله الحسنى: الرقيب
معنى “الرقيب” في اللغة: قال الجوهري: الرقيب: الحافظ، والرقيب: المنتظر؛ تقول: رَقبتُ الشيء، أرْقُبُهُ رُقُوباً، إذا رصدته. وراقب الله تعالى في أمره، أي: خَافه، والرقيب فعيلٌ بمعنى فاعل، كعليمٍ بمعنى عالم.
اسم الله “الرقيب” في القرآن الكريم:
ورد هذا الاسم ثلاث مرات. في قوله تعالى:
(وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة: 117)
وقوله: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً) (الأحزاب: 52)
معنى “الرقيب” في حق الله تبارك وتعالى:
قال ابن جرير: (إنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء: 1) يعني بذلك تعالى ذكره: إنَّ الله لم يَزَل عليكم رقيباً، ويعني بقوله: (عليكم)، على الناس؛ الذين قال لهم جلّ ثناؤه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) (النساء: 1). قال: ويعني بقوله: (رَقِيباً): حفيظاً؛ محْصياً عليكم أعمالكم، مُتفقداً رعايتكم حرمة أرحامكم، وصلتكم إياها، أوقطعكموها وتضييعكم حُرمتها. وقال في قوله: (إنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (الأحزاب: 52): وكان الله على كلّ شيءٍ ما أحلّ لك؛ وحرّم عليك، وغير ذلك من الأشياء كلّها؛ حفيظاً لا يَعْزب عنه عِلْمُ شيءٍ من ذلك، ولا يَؤُدُه حفظ ذلك كله. وعن قتادة (إنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي: حَفِيظاً، في قول الحسن وقتادة. وقال الزجاج:” الرقيب” هو الحافظ الذي لا يغيب عمّا يحفظه. يقال: رقبتُ الشيءَ أرقبهُ رِقبة، وقال الله تعالى ذكره: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق:18). قال الخطابي بعد أنْ نقل قول الزجاج: وهو – أي الرقيب – في نُعُوت الآدميين: المُوكَّلُ بحفظ الشيء، والمترصِّد له، المتحرِّزُ عن الغفلة فيه. قال الحليمي:”الرّقيب” وهو الذي لا يغفل عما خَلَق؛ فيلحقه نقصٌ، أو يَدخل خللٌ من قِبَلِ غفلته عنه. قال ابن الحصار:”الرقيب” المُراعي أحوال المَرقوب، الحافظ له جُملةً وتفصيلاً، المُحْصي لجميع أحواله. وذلك راجع إلى العلم والمشاهدة، وهو الإدْراك والإحصاء، وهو عدُّ ما يدقُّ ويجلُّ من أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، وسائر أحواله وتصرفاته، ومراعاة وُجُوده وعدمه، وحياته وموته. فهو إذن يتضمّن صفات الذات؛ بمتعلقات مخصوصةٍ من الأفعال. اهـ . وقال السعدي:”الرقيب” المطّلع على ما أكنّته الصُّدور، القائم على كل نفسٍ بما كسبت، الذي حَفِظ المخلوقات؛ وأجراها على أحسنِ نظام؛ وأكمل تدبير. من آثار الإيمان باسم الله “الرقيب”
1- يجب على كلّ مُكلّف أنْ يعلم: أنّ الله جلّ شأنه هو الرَّقيب على عباده، الذي يُراقب حركاتهم وسكناتهم، وأقوالهم وأفعالهم؛ بل ما يَجُول في قُلوبهم وخواطرهم، لا يَخْرج أحدٌ مِنْ خَلْقه عن ذلك؛ قال سبحانه:
(واعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) (البقرة: 235)
وقال: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً) (غافر: 7)
قال القرطبي: ورقيبٌ بمعنى رَاقِب، فهو مِنْ صفات ذاته، راجعة إلى العلم والسَّمع والبصر؛ فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدّس عن مباشرة النسيان. ورقيب للمبصرات ببصره؛ الذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، ورقيب للمسموعات؛ بسمعه المُدرك لكلّ حركةٍ وكلام، فهو سبحانه رقيبٌ عليها بهذه الصفات، تحت رِقبته الكليات والجزئيات، وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات، ولا خفي عنده؛ بل جميع الموجودات كلها على نمطٍ واحدٍ؛ في أنها تحت رِقبته؛ التي هي من صفته. اهـ . فمَن كان لذلك ملاحظاً غير غافلٍ عنه، راقب تصرفاته، ومعاملاته وعباداته، وسائر حياته، وفي ذلك صلاح دنياه وآخرته، بل بلوغه أعلى درجات الإيمان، كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فأجابه:” أنْ تعبدَ الله كأنَّك تَراه، فإنْ لم تكنْ تَرَاه؛ فإنه يراك”. قال الإمام ابن القيم:”المراقبة”: دوامُ علم العبد، وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه؛ فاسْتدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأنّ الله سبحانه رقيبٌ عليه، ناظرٌ إليه، سامعٌ لقوله، وهو مطلعٌ على عمله كلّ وقتٍ؛ وكلِّ لحظة، وكل نَفَس؛ وكل طَرفة عين. قال:”و”المراقبة” هي التعبّد باسمه” الرقيب”، الحفيظ، العليم، السميع، البصير” فمن عقل هذه الأسماء، وتعبَّد بمقتضاها؛ حصلت له المُراقبة، والله أعلم. نموذج للمراقبة:
2- إذا فَرَغ العبد من فريضة الصُّبح، ينبغي أنْ يفرغ قلبه ساعةً؛ لمشارطة نفسه؛ فيقول للنفس: مالي بضاعة إلا العُمر، فإذا فنِي منِّي رأس المال، وقع اليأس من التجارة؛ وطلب الربح. وهذا اليوم الجديد؛ قد أمْهلني الله فيه، وأخَّر أجلي؛ وأنعم عليَّ به، ولو توفّاني لكنتُ أتمنى أنْ يُرجعني إلى الدنيا حتى أعمل صالحاً. فاحْسبي يا نفسُ أنك قد تُوفيت، ثم رُددت، فإياكِ أن تُضيّعي هذا اليوم.
3- وينبغي أنْ يراقب الإنسان نفسه؛ قبل العمل، وفي العمل؛ هل حرَّكه عليه هوى النفس، أو المحرِّك له هو الله تعالى خاصة؟ فإن كان الله تعالى أمضاه، وإلا تركه، وهذا هو الإخْلاص. قال الحسن: رحم الله عبداً وقف عند همّه، فإنْ كان لله مَضَى، وإنْ كان لغيره تأخّر. فهذه مراقبة العبد في الطاعة، وهو أنْ يكون مخلصاً فيها. ومراقبته في المعصية؛ تكون بالتوبة والندم والإقلاع، ومراقبته في المباح؛ تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنّه لا يخلو من نعمةٍ؛ لا بد له من الصَّبر عليها، وكلُّ ذلك لا يخلو من المراقبة.
4- المُراقبة تُثْمر السعادة والانشراح؛ وقرّة العين: لا شك أنّ المراقبة تحتاج إلى حُضور القلب؛ بين يدي الله سبحانه، وعدم الانْشغال عنه، سواء في العبادة أو خارجها، وإلى امتلاء القلب بعظمة الله عز وجل؛ ومحبته. وهذا القُرب والدُّنو من الله تعالى؛ يَبثُّ في القلب سُروراً عظيماً.
قال الإمام ابن القيم: فإنَّ سُرور القلب بالله وفرحه به، وقرّة العين به، لا يُشبهه شيءٌ من نعيم الدنيا ألبتة، وليس له نظر يُقاس به، وهو حالٌ من أحوال الجنة، حتى قال بعض العارفين: إنه لتمرُّ بي أوقاتٌ أقول فيها: إنْ كان أهلُ الجنة في مِثْل هذا، إنهم لفي عيشٍ طيّب. ولا ريب أنَّ هذا السُّرور؛ يبعثه على دوام السَّير إلى الله عزّ وجل، وبذل الجهد في طلبه، وابتغاء مَرْضاته. ومَنْ لم يجدْ هذا السُّرور، ولا شيئاً منه؛ فليتّهم إيمانه وأعمَاله، فإنَّ للإيمان حَلاوة؛ مَنْ لم يَذقها؛ فليَرجع وليقتبس نوراً؛ يجد به حلاوة الإيمان. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذَوْق طَعم الإيمان؛ ووَجَد حَلاوته، فذَكر الذَّوق والوجد، وعلّقه بالإيمان؛ فقال: “ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبّاً، وَبِالإسْلاَمِ ديناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً”. وقال صلى الله عليه وسلم:
” ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وَجدَ حَلاوةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللهُ ورسُولهُ أحبَّ إليهِ مما سواهما، ومَنْ كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّهُ إلاَّ لِلَّه، ومَن يَكرهُ أنْ يَعودَ في الكُفْرِ- بَعْدَ إذ أنْقَذَهُ اللهُ منهُ – كما يَكْرَهُ أنْ يُلقى في النَّارِ”
قال: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدَّس الله روحه – يقول: إذا لم تجدْ للعمل حلاوةً في قلبك وانْشراحاً؛ فاتهمه، فإنَّ الربّ تعالى شُكورٌ. يعني أنه لا بدّ أنْ يُثيب العاملَ على عمَلِه في الدنيا، مِن حَلاوةٍ يجدها في قلبه، وقُوة انْشراح؛ وقُرّة عين، فحيثُ لم يجدْ ذلك فعمله مدخول. والقصد: أنّ السُّرور بالله وقربه، وقرّة العين به، تبعثُ على الازْدياد مِن طاعته، وتحثُّ على الجدِّ في السير إليه اهـ .