مقال بعنوان: شرح اسم الله الفتاح


موقع/ الدرر السنية


الحمدُ للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم قال: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً
إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (¬1).

ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتابه العظيم: الفتَّاح، وللفتَّاح معنيان:

الأول: يرجع إلى معنى الحكم الذي يفتح بين عباده، ويحكم بينهم بشرعه:
بإثابة الطائعين، وعقوبة العاصين في الدنيا والآخرة، قال تعالى:

{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيم (26)} [سبأ]

وقال تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين (89)} [الأعراف]

قال ابن كثير: «أي افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم.
{وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين}: أي خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا
يجور أبدًا» (¬2).

فالآية الأولى فتحه بين العباد يوم القيامة، وهذا في الدنيا بأن ينصر الحق وأهله، ويذل الباطل وأهله، ويوقع بهم العقوبات.

الثاني: فتحة لعباده جميع أبواب الخيرات والبركات، قال تعالى:

{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] الآية

يفتح لعباده منافع الدنيا والدين، فيفتح لمن اختصهم بلطفه وعنايته
أقفال القلوب، ويدُرُّ عليها من المعارف الربانية والحقائق الإيمانية ما
يصلح أحوالها وتستقيم به على الصراط المستقيم، ويفتح لعباده أبواب الرزق
وطرق الأسباب؛ ويهياء للمتقين من الأرزاق وأسبابها ما لا يحتسبون، ويعطي
المتوكلين فوق ما يطلبون ويؤملون، وييسِّر لهم الأمور العسيرة، ويفتح لهم
الأبواب المغلقة (¬3).

ومن ذلك الفتح: ما يفتح اللَّه عزَّ وجلَّ على نبيه يوم القيامة من أنواع
المحامد، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه: أن النبي
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ
وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ
يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ
رَاسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ» (¬4).

ومنها فتحه سبحانه لعباده باب التوبة: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى
رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ،
وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» (¬5).

ومنها فتحه سبحانه أبواب السماء لنزول البركات وإجابة الدعوات، قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم
بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون (96)} [الأعراف].

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللهُ عنه: أن
النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:

«إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيلِ البَاقِي، يَهبِطُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيَا، ثُمَّ تُفتَحُ أَبوَابُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَبسُطُ يَدَهُ فَيَقُولُ: هَل مِن سَائِلٍ يُعطَى سُؤلَهُ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَطلُعَ الفَجرُ» (¬6)

ومنها ما يفتح اللَّه على العبد المؤمن قبل موته بعمل صالح، روى الإمام
أحمد في مسنده من حديث أبي عنبة الخولاني رضي اللهُ عنه قال: قال رسول
اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:

«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا عَسَلَهُ» قِيلَ: وَمَا عَسَلَهُ (¬7)؟ قَالَ: «يَفتَحُ اللَّهُ لَهُ عَمَلاً صَالِحًا قَبلَ مَوتِهِ، ثُمَّ يَقبِضُهُ عَلَيهِ» (¬8)

ومن فوائد الإيمان بهذا الاسم العظيم:

أولاً: أن الفتح والنصر لا يكون إلا من اللَّه؛ فهو الذي يفتح على عباده،
فينصر من يشاء ويخذل من يشاء، وقد نسب اللَّه الفتح لنفسه: لينبِّه عباده
على طلب النصر والفتح منه لا من غيره، وأن يعملوا بطاعته ليفتح لهم وينصرهم
على أعدائهم، قال تعالى لنبيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {إِنَّا فَتَحْنَا
لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1)} [الفتح].

وقال تعالى:

{فَعَسَى اللهُ أَن يَاتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} [المائدة: 52]

وقال تعالى:

{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: 13]

روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم قال يوم خيبر:

«لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» (¬9)

ثانيًا: ما يفتح اللَّه سبحانه على عباده بأنواع الخيرات استدراجًا لهم:
إذا تركوا ما أُمروا ووقعوا فيما نُهُوا عنه، قال تعالى:

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون (44)} [الأنعام: 44]

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر رضي اللهُ عنه: أن النبي
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:

«إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ»

ثم تلا رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون (44)} [الأنعام] (¬10)

ثالثًا: ما يفتحه اللَّه على من يشاء من عباده: من الحكمة والعلم والفقه في
الدين، بحسب التقوى والإخلاص والصدق، قال تعالى:

{وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم (282)} [البقرة]

وقال تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِين (22)} [الزمر]

رابعًا: ما ينبغي للمؤمن أن يسأل ربه أن يفتح عليه أبواب رحمته. روى ابن
ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم قال:

«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ؛ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (¬11)

خامسًا: إن اللَّه بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، قال سبحانه:

{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم (12)} [الشورى]

فما يفتحه من
الخير للناس لا يملك أحد أن يغلقه عنهم، وما يغلقه فلا يملك أحد أن يفتحه
عليهم، كما قال تعالى:

{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم (2)} [فاطر]

فلو فتح اللَّه المطر على الناس، فمن ذا الذي يحبسه عنهم؟ ! حتى لو أدى
المطر إلى إغراقهم: مثل ما حدث لقوم نوح، فقد وصلت المياه إلى رؤوس الجبال؛
ولو حبس عنهم المطر سنين عديدة، ما استطاعوا أن يفتحوا ما أغلقه اللَّه،
قال تعالى:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَاتِيكُم بِمَاء مَّعِين (30)} [الملك]

وقال تعالى:

{وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَأَىدَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]

والخلاصة: إن الفتاح اسم عظيم من أسماء اللَّه تعالى، ومعناه: الحكم الذي
يفتح بين عباده ويحكم بينهم بشرعه، ويفتح لعباده أبواب الخيرات والبركات؛
وينبغي للمؤمن أن يسأل ربه بهذا الاسم العظيم، فيقول: يا فتاح افتح علي
بالعلم، يا فتاح افتح لي أبواب رحمتك، يا فتاح افتح لي أبواب رزقك.

والحمدُ للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

¬_________

(¬1) ص 526، برقم 2736، وصحيح مسلم ص1076، برقم 2677.

(¬2) تفسير ابن كثير (6/ 350).

(¬3) فتح الرحيم الملك العلام للشيخ عبدالرحمن السعدي ص 42.

(¬4) ص 110، برقم 194، وصحيح البخاري ص 1256، برقم 6565.

(¬5) ص 1104، برقم 2759.

(¬6) (6/ 191) برقم 3673، وقال محققوه: حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.

(¬7) قال الزمخشري في الفائق (2/ 429): هو من عسل الطعام يعسله، إذا جعل
فيه العسل كأنه شبه ما رزقه اللَّه تعالى من العمل الصالح الذي طاب به ذكره
بين قومه بالعسل الذي يُجعل في الطعام فيحلو به ويطيب.

(¬8) (29/ 323) ، برقم 17784، قال محققوه: صحيح لغيره.

(¬9) ص 980، برقم 2406، وصحيح البخاري ص 565، برقم 2942.

(¬10) (28/ 547) برقم 17311، وقال محققوه: حديث حسن.

(¬11) ص 93، برقم 773، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه
الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 129) برقم 627.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ مقال بعنوان: شرح اسم الله الفتاح

  • مقال بعنوان: الصمد

    الدرر السنية

    الصمد صفة ذاتية لله عز وجل، وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة، واختلفوا في معنى (الصمد) فقيل: المصمت الذي لا جوف له،

    08/03/2022 893
  • فتح خاص. .

    عبد الله بن مشبب بن مسفر القحطاني

    الأرزاق من الفتاح قد قسمت، فرب رجل فتح له في إطالة الصلاة ولم يفتح له في كثرة الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم

    10/05/2022 732
  • ​ المفاتيح بيده. .

    عبد الله بن مشبب بن مسفر القحطاني

    يحتاج المريض إلى الشفاء بعد أن أوجعته الآلام، وأتعبته الأوجاع، وضاقت به الدنيا، وعجز عنه الأطباء، وأغلق باب الدواء

    07/05/2022 547
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day