سلسلة شرح أسماء الله الحسنى - اسم الله: القادر - القدير - المقتدر


موقع/ شبكة الألوكة

 اسم الله القادر، والقدير، والمقتدر.

ولقد وردت هذه الأسماءُ مع مشتقاتها في كتاب الله أزيدَ من 130 مرة، منها 45 مرة كلمة "قدير"، و13 مرة كلمة "قادر"، وأربع مرات كلمة "مقتدر"، ويدور معناها كلها على تسليط القوةِ، والسيطرةِ، والتمكن، والهيمنةِ.

قال تعالى:

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون ﴾ [الأنعام: 65]

وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ﴾ [البقرة: 106]

وقال تعالى: ﴿ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 42]

وجاء في حديث الاستخارة التسليمُ بقدرة الله، وأنه المدبرُ لكل شيء، القادرُ على كل شيء، فيقول صاحب الحاجة: ((اللهم إني أستخيرُك بعلمك، وأستقدرُك بقدرتك، وأسألُك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدرُ ولا أقدرُ، وتعلمُ ولا أعلمُ، وأنت علام الغيوب))؛ البخاري، وفيه ركونُ العبدِ إلى قدرة الله، مع إظهار الضعف وقلة الحيلةِ.

ومن الأدعية التي علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نقولَها دُبرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ: ((لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجدُّ))؛ البخاري؛ أي: لا ينفع صاحبَ الحظِّ حظُّه، ولا صاحبَ الغنى غناه.

وأخبرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقصة الرجل الذي كان "يسرفُ على نفسه، فلما حضره الموتُ، قال لبنيه: إذا أنا متُّ، فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح؛ فوالله لئن قدَرَ عليَّ ربي ليعذبَنِّي عذابًا ما عذَّبه أحدًا، فلما مات، فُعل به ذلك، فأمر اللهُ الأرضَ، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلتْ، فإذا هو قائمٌ؛ فقال: ما حمَلَكَ على ما صنعت؟ قال: يا رب، خشيتُك؛ فغفر له))؛ متفق عليه.

ولا شك أن الذي خلق الإنسانَ من لا شيء - قادرٌ على أن يعيدَ بعثَه ليوم الحساب؛

﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 79]

قال الزَّجاج: "القادر: هو الله القادر على ما يشاءُ، لا يُعجزُه شيء، ولا يفوتُه مطلوبٌ، والقادر منا - وإن استحقَّ هذا الوصف - فإن قدرتَه مستعارةٌ، وهي عنده وديعةٌ من الله تعالى، ويجوزُ عليه العجزُ في حال، والقدرةُ في أخرى".

ولذلك فمهما قوي الإنسانُ وتمكَّن، ومهما استطاع وقدَر، فإن الله تعالى أقوى منه، وأقدرُ منه؛ ففي صحيح مسلم أن أبا مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال: كنت أضربُ غلامًا لي بالسوطِ، فسمعتُ صوتًا من خلفي: "اعلم أبا مسعود!"، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني، إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود!))، قال: فألقيتُ السوطَ من يدي، فقال: ((اعلم أبا مسعود أن الله أقدرُ عليك منك على هذا الغلام))، قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا.

وقد يكونُ القادرُ بمعنى المقَدِّر للشيء، كقوله:

﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُون ﴾ [المرسلات: 23]

أي: نعم المقدرون.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "(القدير) كامل القدرة، بقدرته أوجد الموجوداتِ، وبقدرته دبَّرَها، وبقدرته سوَّاها وأحكمَها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعثُ العبادَ للجزاء، ويجازي المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، الذي إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون، وبقدرته يقَلِّب القلوبَ ويصرفُها على ما يشاء ويريد".

وقال ابن القيم رحمه الله:

وهو القديرُ وليس يعجزُه إذا ♦♦♦ ما رام شيئًا قط ذو سلطان

وقال الحليمي: "المقتدر: هو المظهرُ قدرتَه بفعلِ ما يقدرُ عليه".

وقال الزجاج: "المقتدرُ: مبالغةً في الوصف بالقدرة، والأصلُ في العربية أن زيادةَ اللفظ زيادة في المعنى".

واسم الله القادرُ هو الفاصلُ بين المؤمنين الذين يعلمون أن المتمكن من الكون، المهيمن عليه، المتصرِّف فيه - هو الله، فيعبدونه بمقتضى هذا الاسم وما يستحقه من الإجلال والإعظامِ، وبين الزنادقةِ والملاحدة، الذين ينسُبون التصرفَ في الكون إلى قوةِ الطبيعةِ، أو يركنون إلى قوةِ العقل البشري، ويرون أن الإنسانَ بعقله هو المتصرفُ الحقيقي في الكون.

ولقد أعجز اللهُ تعالى هؤلاء بقوله: ﴿

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73]

ليبين لنا ربُّنا عز وجل حقيقةَ هذا الإنسانِ المغرور بمادياته ومخترعاته:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54]

ويحذِّر عبدُالله بنُ مسعود رضي الله عنه هؤلاء المتكلِّفين، الخائضين فيما ليس لهم به علمٌ ويقول: "يا أيها الناسُ، اتقوا الله، من علِم منكم شيئًا فليقل بما يعلمُ، ومن لم يعلم، فليقل: اللهُ أعلمُ"؛ مسلم.

وماذا يُشَكِّل هذا الإنسانُ اللجُوجُ في حجم هذا الكونِ، الذي تُشَكِّل فيه الأرضُ برمتها نقطةً لا تُرى وسط الكواكبِ والنجوم والمجرات الأخرى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما السماواتُ السبعُ في الكرسيِّ إلا كحلقة ملقاةٍ بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاةِ على تلك الحلقةِ))؛ الصحيحة.

ما لي سوى فقري إليك وسيلةٌ فبالِافتقار إليك فقري أدفعُ

ما لي سوى قرعي لبابك حيلةٌ فإذا رُددتُ فأيُّ باب أقرعُ

إن سطوةَ خصومِ الإسلامِ المعتدين، وغطرسةَ المناوئين المعاندين، وكبرياءَ الانتهازيين المستعمرين - مؤسَّسةٌ على أنقاض ضَعفِ المسلمين، الذي أفلتوا زمام اليقين، بأن الله ناصرُ أوليائه الصالحين، وأنه ذو القوةِ المتين.

أسفي على الإسلام هان عرينُه ♦♦♦ وعدا عليه الفاتكُ المستأسِدُ

وإن النظرَ في سنن الله في القضاء على الجبابرة قديمًا وحديثًا - بيِّنةٌ جليَّة، وإذا كانت الأمثلةُ على ذلك في الكتاب والسُّنة كثيرةً، فلنذكر مثالَ فرعون الذي علا في الأرض وتكبَّر وتجبَّر، لما أخبره المنجمون بأن ملكَه سيذهبُ على يد مولودٍ من بني إسرائيل، رأى الحلَّ في قتل جميع مواليدِ بني إسرائيلَ؛ قال الزجاج: "والعجبُ من حمق فرعونَ؛ فإن الكاهن الذي أخبَره بذلك إن كان صادقًا عنده، فما ينفع القتل؟ وإن كان كاذبًا، فلا معنى للقتل"، وخوفًا من انقراض النسل، فضَّل فرعون أن يقتلَ المواليدَ سَنةً، ويستحييهم سَنة، فقضى ربُّنا عز وجل أن يولدَ موسى عليه السلام في السَّنة التي يقتل فيها المواليد، ليُلقى في البحر، وليلتقطَه آلُ فرعون، وليتربى في قصر فرعونَ، وليهلكَ فرعون على يده، ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]؛ لتمضي قدرةُ الله التي لا يمنعُها مانعٌ، ولا يحجُزُها حاجزٌ.

وكيف يفرُّ المرءُ عنك بذنبِه ♦♦♦ إذا كان يطوي في يديك المراحِلَا؟!

والذي جعل النارَ على سيدنا إبراهيم بردًا وسلامًا، والذي فلَق البحرَ نصفين بضربةِ عصا موسى، والذي فجَّر من الحجر ينابيعَ المياه، والذي وهب لإبراهيم وزكريا أولادًا مع الكبر والعقم - هو الذي يُغنيك إذا افتقرت، ويثبِّتك إذا اضطربت، ويَشفيك إذا مرِضت، إذا صدَق لُجْؤُك إليه، وصحَّ اعتمادُك عليه، وسلِم افتقارُك إليه؛

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]

كن مع الله ترَ اللهَ معكْ واترُكِ الكلَّ وحاذِرْ طمعَكْ

وإذا أعطاك من يمنعُه؟  ثم من يُعطي إذا ما منعَكْ؟

هذا تمييزُنا بين القدرة الربانيَّةِ، والقدرةِ البشريَّة، فكيف فهم غيرُ المسلمين هذه المعادلةَ؟ ذلك ما سنحاولُ معرفتَه في المناسبةِ القادمة إن شاء الله.

فاللهم بلِّغنا مما يُرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالَنا.

اللهم وأبرم لهذه الأمةِ أمرَ رشدٍ، يُعَزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويذلُّ فيه أهلُ معصيتك، ويؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنك سميع مجيب.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ سلسلة شرح أسماء الله الحسنى - اسم الله: القادر - القدير - المقتدر

  • التعريف باسم الله (القدير)

    فريق عمل الموقع

    القدير: أبلغ في الوصف بالقدرة من القادر؛ لأن القادر اسم الفاعل من قدر يقدر فهو قادر. وقدير: فعيل من أبنية

    02/06/2022 984
  • القادر القدير المقتدر

    د. باسم عامر

    الدليل: قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ

    29/11/2021 891
  • الله القادر، القدير، المقتدر

    موقع/ طريق الإسلام

    وجميع هذه الأسماء وردت في القرآن وأكثرها ورودًا القدير ثم القادر ثم المقتدر قال تعالى: {والله على كل شيء قدير}

    18/03/2022 826
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day