فضل الإيمان (16)


الشيخ ندا أبو أحمد

فضل الإيمان :


16- الإيمان يمنع من دخول النار، أو عدم الخلود لمن دخلها بذنبه:


فقد أخرج البخاري ومسلم عن عتبان بن مالك  قال: قال رسول الله ﷺ: "ان الله حرم على النار من قال لا إله الا الله يبتغي بذلك وجه الله".


قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: وأكثر من يقولها تقليدا وعادة ولم تخالط حلاوة الإيمان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أصحاب المعاصي وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد واقتداء وهم من أقرب الناس من قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ (الزخرف:23)

وحينئذ لا منافاة بين الأحاديث فإنه إن قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصراً على ذنب أصلاً، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحبَّ اليه من كل شيء، فإذاً لا يبقي في قلبه إرادةٌ لما حرم الله، ولا كراهةٌ لما أمر الله، وهذا هو الذي يحرم على النار وان كانت له ذنوب قبل ذلك فإن هذا الإيمان وهذا الإخلاص وهذه التوبة وهذه المحبة وهذا اليقين لا تترك له ذنباً إلا محي كما يمحو الليل النهار فإن قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر فهذا غير مصر على ذنب أصلاً، ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح لها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه، وهذا من رجحت سيئاته بحسناته ومات مصراً على ذلك فإنه يستوجب النار". اهـ


فمن رجحت سيئاته بحسناته وهو من أهل الإيمان فإنه في مشيئة الملك الديان، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، وإن عذبه فإنه يدخل النار عقوبة له، ثم يخرج منها برحمة أرحم الراحمين، ثم بشفاعة الشافعين، ولا يخلد في النار أحد من أهل الإيمان.


قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ﴾ (النساء:40).


وقد أخرج البخاري ومسلم عَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأخرجوهُ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا حُمَمًا (1) قَدِ امْتُحِشُوا (2)، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ، أو نَهَرِ الْحَيَا، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، قَالَ عليه السَّلامُ: أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَة.


وأخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود  قال: قال رسوت الله ﷺ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فقَالَ رَجُلٌ: إِنَّه يعجبني أَنْ يَكُونَ ثَوْبي حَسَنًا، وَنَعْلي حَسَنَةً، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ (3) ، وَغَمْطُ النَّاسِ (4) .


وأخرج مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة  أن النبي ﷺ قال: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار".


ومفهوم المخالفة لهذا الحديث أن مَنْ آمن مِنْ هؤلاء لم تطعمه النار.


وأخرج الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:

" إِنِّي لَأولُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرُ، وَأُعْطَى لِوَاءَ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرُ، وَأنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرُ، وَأنا أولُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرُ، وَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَتِهَا فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا؟، فَأَقُولُ أنا مُحَمَّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لِي فَأَدْخُلُ فَأَجِدُ الْجَبَّارَ مُسْتَقْبِلِي، فَأَسْجُدُ لَهُ، فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ وَتَكَلَّمْ، يُسْمَعْ مِنْكَ، وَقُلْ، يُقْبَلْ مِنْكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي يَا رَبّ، فَيَقُولُ: اذْهَبْ إِلَى أُمَّتِكَ، فَمَنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ مِنْ الإيمان، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَأَذْهَبُ، فَمَنْ وَجَدْتُ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَلِكَ أَدْخَلْتُهُمْ الْجَنَّةَ، فَأَجِدُ الْجَبَّارَ مُسْتَقْبِلِي فَأَسْجُدُ لَهُ، فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ وَتَكَلَّمْ، يُسْمَعْ مِنْكَ، وَقُلْ: يُقْبَلْ مِنْكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: اذْهَبْ إِلَى أُمَّتِكَ، فَمَنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ الإيمان فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَأَذْهَبُ، فَمَنْ وَجَدْتُ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَلِكَ أَدْخَلْتُهُمْ الْجَنَّةَ، وَفُرِغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَأُدْخِلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّارِ مَعَ أَهْلِ النَّارِ، فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: فَبِعِزَّتِي لَأَعْتِقَنَّهُمْ مِنْ النَّارِ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَقَدْ امْتُحِشُوا، فَيُدْخَلُونَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي غُثَاءِ السَّيْلِ وَيُكْتَبُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّار: بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّار عز وجلِ ".


- - - - - - - - - - -


(1) حُمَمًا: فحماً.

(2) امْتُحِشُوا: أي احترقوا، من المحش، بمعنى احتراق الجلد وظهور العظم. (النهاية:4/302).

(3) بَطَرُ الْحَقِّ: دفعه وإنكاره ترفعاً .

(4) غمْطُ النَّاسِ: الاحتقار.




السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ فضل الإيمان (16)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day