فوض أمرك إليه..
لما علم المؤمن بأن الله عو الواحد القهار؛ أعلن الاستسلام لله، وفوض أمره إلى الله، وتوكل عليه، ولم يعظم إلا الله، ولم يخف إلا من الله، وسفط الخوف من المخلوقين الضعفاء؛ حتى لو ادعوا القوة والقهر.
فهؤلاء سحرة فرعون لما دخل الإيمان في قلوبهم، وعلموا أن الله هو الواحد القهار؛ كان جوابهم لطاغية الأرض فرعون عندما هددهم:
{قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}
[الشعراء: 50]
والله عز وجل القاهر للطغة والعصاة:
{وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ}
[الأنعام: 18]
قهر قوم نوح بالطوفان، وقهر قوم صالح بالصيحة، وقهر قوم عاد بالريح، وقهر قوم لوط بالحجارة، وقهر قارون بالخسف، وقهر قوم سبأ بالجوع والعطش وضيق الأرزاق، وقهر بني إسرائيل بالخوف وتسلط الأعداء وكثرة القتل، وقهر قوماً منهم بالمسخ والطاعون.
فقهر الله عز وجل ظاهر:
{وَمَا ظَلَمْنَٰهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
[النحل: 118]
فالله الذي أطاحت صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين.
{لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ}
[غافر: 16]
يقول الرازي رحمه الله: "فأيت الجبابرة والأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب؟!
وأين الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون في هذا العتاب؟!
وأين آدم وذريته؟
وأين إبليس وشيعته؟
وكأنهم بادوا وانقضوا!...
زهقت النفوس، وتبددت الأرواح، وتلفت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقي الموجود الذي لم يزل ولا يزال"
وليس بالضرورة أن تحسم جميع القضايا في الدنيا: ثمة مظالم تستأنف من جديد يوم القيامة! وتلك الحقيقة هي أشد وقعاً من المطارق الحامية على قلوب الظالمين..
{وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ}
[غافر: 43]
قال الشافعي: "آية من القرآن هي سهم في قلب الظالم، وبلسم على قلب المظلوم، قيل: وما هي؟! فقال قوله سبحانه وتعالى:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
[مريم: 64]
اللهم يا ذا القهر والجبروت! اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار.