خطبة بعنوان: القدوس
ضمن حواراتنا بين العصر والمغرب في نهار رمضان الطويل، سألني بعد أن تربع على الأريكة التي تصلح للجلوس والاضطجاع:
– روح القدس، هو جبريل – عليه السلام، لماذا أطلق عليه هذا الاسم؟
– نعم.. روح القدس هو جبريل – عليه السلام – ومعناه: (الروح المقدس) أي: الطاهر، وقيل: (القدس) هو الله سبحانه وتعالى، و(روح القدس) جبرائيل – عليه السلام – نسب إلى الله نسبة تشريف وتكريم كما ورد في قوله عز وجل: {فنفخنا فيه من رورحنا} (التحريم: 12).
أخذت مجلسي خلف الحاسوب لأبحث في الموضوع، سألني:
– في أي آية قوله تعالى: {نزّله روح القدس)؟
– في سورة النحل يقول تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين} (النحل: 102)، وجاء في سورة البقرة قوله سبحانه: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس}، فكان جبريل مع عيسى يؤيده.
– و(القدوس)؟
– اسم من أسماء الله الحسنى، ورد مرتين في كتاب الله عز وجل، في سورة الحشر: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن…} (الحشر: 23)، وكذلك في سورة الجمعة: {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم}، ويعني: أن الله عز وجل له منتهى الطهارة والنقاء والصفاء والنزاهة سبحانه وتعالى، وهو سبحانه الذي يملك الطهارة فيطهر من يشاء من خلقه، وكذلك له كمال البركة، فالخير كله بيديه والشر ليس إليه سبحانه وتعالى، فهو الذي يبارك من يشاء وما يشاء من خلقه عز وجل.
قاطعني:
– أليس هذا المعنى قريبا من (السبّوح) الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى أيضاً؟!
– نعم المعنى قريب، ولكن هناك قاعدة في الأسماء الحسنى أن الأسماء الحسنى وإن كانت متقاربة بل ومتلازمة فلابد من فروق بينها وإن كانت لطيفة ودقيقة، و(القدوس) فيه تصريح بالعظمة، فضلاً عن التنزيه والطهارة، ولو بحثنا في استخدام العرب لمادة (قدس) لوجدنا:
– القادس: السفينة؛ لاستمرار وجودها في الماء الطهور.
– القداس: الحجر، الذي ينصب على مصب الماء في الحوض.
– القَدَس: السطل، أو الإناء الذي يتطهر به.
واستخدامات أخرى تدور حول المعنى ذاته.
أخذ صاحبي جلسة مريحة:
– وبيت المقدس؟
– نعم، هو المكان الذي يتطهر فيه العباد من الذنوب، جاء في نونية ابن القيم:
هذا ومن أوصافه القدوس ذو
التنزيه بالتعظيم للرحمن
ومن ذلك قول الملائكة عندما أعلمهم الله أنه سيجعل في الأرض خليفة: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} (البقرة: 30)، وذلك أن (نسبح) تختلف عن (نقدس) بزيادة الإقرار بالعظمة في الثانية.
– ألم يرد هذا الاسم في السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
– بلى، فقد ورد أن عائشة نبأت عبدالله بن الشخير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» صحيح مسلم.
وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر، قال: «سبحان الملك القدوس» ثلاث مرات يطيل في آخرهن (النسائي) صححه الألباني.
وفي الحديث عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الل عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: «إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله»، وذلك عندما هجا قريشا فشفى واشتفى. (صحيح مسلم.
وفي السلسلة الصحيحة: «إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لا تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته».