سبق المفردون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: (جمدان)، فقال: " سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون " ، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: " الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات " . [ رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى 4/ 2062 (2676) ]
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: ينبغي للمسلم أن يكون مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى في جميع أحواله، ومن أعلى سبل الارتباط به وأهمها: ذكره سبحانه وتعالى، والإكثار من ذكر الله تعالى عنوان المحبة؛ فإن من أحب شيئًا أكثر من ذكره، وذكر الله تعالى هو: ما يجري على اللسان والقلب من تسبيح الله تعالى وحمده والثناء عليه وقراءة كتابه ودعائه، والتفكر في آلائه ومخلوقاته، كما يدخل فيه: تنفيذ أوامره من الصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى، يقول الإمام النووي - رحمه الله -: اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكرٌ لله تعالى، كذا قال سعيد بن جبير وغيره من العلماء . [ الأذكار للنووي ص9، وللزيادة ينظر: الوابل الصيب، لابن القيم ص108 - 110 ]
الفائدة الثانية: ذكر الله تعالى من أعظم أسباب طمأنينة النفس وانشراح الصدر، فمن رحمة الله بعباده ولطفه بهم أن أمرهم بالإكثار من ذكره؛ لينالوا هذه الفائدة العظيمة؛ مع غناه سبحانه عن جميع أعمالهم، فهو يأمرنا بذلك؛ لمحبته له، وليتفضل علينا بعطائه وفضله، ولعلمه بحاجتنا إليه؛ فإن النفس لا تحصل لها الطمأنينة الكاملة إلا بالقرب من خالقها والاتصال به؛ ولهذا أمرنا أن نكون من الذاكرين لله تعالى ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وقال سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205].
الفائدة الثالثة: يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذين يكثرون من ذكر الله تعالى هم السابقون، وقد وعد الله السابقين بالثواب الجزيل والنعيم المقيم؛ فقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 10 - 12]، وهذا يدعو المسلم الحريص إلى الإكثار من ذكر الله تعالى بجميع أنواعه.