وقفات مع رفع الأعمال
عن أسامة بن زيد قَال: قُلتُ: يا رسول الله، لمْ أرَكَ تصوم شهْرًا من الشهور ما تصوم مِنْ شعْبان،
قال: [ذلك شهْرٌ يغْفُل الناس عنْه بيْن رجب ورمضان، وهو شهْرٌ تُرْفَع فيه الأعْمال إلى ربِّ العالمين، فأحبّ أنْ يرْفعَ عملي وأنا صائمٌ]
إن لشهر شعبام منزة خطيرة، فهو من اخطر الشهور التي تمر بالإنسان، إذ ان فيه مرحلة خطيرة في كل حياته، مرحلة فيها يحدد قبوله من رده، وربحه من خسرانه.
إنها مرحلة قال عنها رسول الله شهْرٌ ((تُرْفَع فيه الأعْمال إلى ربِّ العالمين)) وما أخطره من أمر، شهر رفع اعمالك وتحديد مساة قبولها من رفضها.
ورفع الأعمال إلى الله تعالى على ثلاثة أنواع:
- يُرفع إليه عمل الليل والنهار وذلك كل يوم؛
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: (
(إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل)).
- رفع أعمال الأسبوع يومي الاثنين والخميس؛ ، وفي رواية الترمذي وابن ماجه: ((تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم)).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((تُعرَض الأعمال في كل اثنين وخميس؛ فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا))
- الرفع السنوي في شهر شعبان؛ وهو رفع أعمال السنة كلها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين)).
وقال صلى الله عليه وسلم
((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ - كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ))
فإذا كنا نعلم أن السماء تفتح كل اثنين وخميس، وتُرفع فيهما أعمال العباد إلى الله تعالى، فلنعلم أن الأعمال تُرفع إلى الله عز وجل في شهر شعبان.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى هذه الأوقات في أكمل أحواله: ((فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم)).
فماذا تريد أن يُرفع إلى الله منك؟إنَّ الأعمال تُرفع، فيُحِبُّ أن ترفعَ وهو صائم، ويحب أن تُرفع الأعمال على أحسن أحوالها.
المعنى إذًا هنا: ماذا تريد أيها المسكين أن يرفعَ لك إلى الله؟
• أن تَرْفعَ الملائكةُ صحائف النَّاس إلى الله، فلا تُوجَدَ في صحيفتك أعمال - هذه الأُولى؟ • أن تَرْفَع الملائكة الصحائف إلى الله تعالى وفيها أعمالُك؛ ولكنها أعمال خسيسة وقليلة، لا تساوي شيئًا؟
يعني: لمَّا رُفِعَت الأعمال وعُرِضَت على الله - تعالى - فماذا تختار لنفسك أن يُعْرَضَ عليه؟
ما يُبَيِّضُ وجهك أو يُسَوِّدُ وجهك؟
هل تحب أن يُرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية؟ أم تقبل أن يُرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وبعد عن الله؟
ما يُقْبَل أو ما يُرَدُّ؟
ما يكون سببًا لجزيل الثواب أو لقلة الثواب؟
إن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله؟
انتبه...........احذر...........استشعر
أعمالك الآن ستعرض أو معروضة أو عرضت ..........ما حالك؟ لا تستشعر شيئا؟
ألا تخش الله!!! ألا تخافه !!!! ألا تستحي من اعمالك!!! ألم يان لقلبك ان يستشعر هذه المعاني!!
هي لحظة حاسمة في تاريخك، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى من
﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[فاطر: 10]
ولا شكَّ أنَّ النَّبِي صَلَّى الله عليه وسَلَّم يختار الدرجة العالية، الدرجة الرفيعة التي يؤدي بها، التي تكون سببًا يُعلِّم بها، ويُنبِّه بها المؤمنين على أن يكونوا على هذا الحال، الذي يحبه النبي صَلَّى الله عليه وسَلَّم.وَرَفْعُ الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائمًا أَدْعَى إلى القبول عند الله تعالى وأحبُّ إلى الله جل وعلا وأن يَتَقَبَّل صالح عمله كله سبحانه وتعالى وأن يُثِيبَه عليه أعظم الإثابة، وأن يُكَافِئَه عليه أعظم مُكَافَأة، وهو ما يسعى إليه المؤمنونَ تَأَسِّيًا واقتداءً بالنبي صَلَّى الله عليه وسَلَّم.
إن الموضوع خطير،لأنه سيختم لك عامك بهذا الرفع، فإن كنت أتممت فيختم لك بالتمام إن أتممت، اما إن قصرت بعد ان كنت أتممت فسيختم لك بالتقصير، فانتبه لنفسك، إن كنت مفرطا فاختم بخير وتمم عامك بخير، وإن كنت موفقا من الله فاختم بخير لكي لا يضيع أجر كل هذه الأعمال التي عملتها طوال العام.
وأختم لك بوصايا احرص عليها قبل رفع الأعمال
- جدد التوبة: لا بد قبل رفع الأعمال من التوبة الصادقة النصوح، حتى وأنت على طاعة يجب أن تجدِّد التوبة، وتستغفر كما كان يفعل المعصوم صلى الله عليه وسلم، كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة، وهو المغفور ذنبه،، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (كل بني آدم خطاء، وخيرُ الخطائين التوابون)
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾
[التحريم: 8]
- المسارعة بالأعمال الصالحة: من الآن وقبل أن تُرفع الأعمال تستطيع أن تَختم القرآن أكثر من مرة، وأن تُكثر من الذكر والاستغفار، وفعل الخير وقضاء حوائج الناس، والصدقة وصلة الرحم.
- - سلامة الصدر: شهر شعبان هو شهر مغفرة الذنوب من علام الغيوب سبحانه وتعالى، ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان التي قال النبي صلي الله علية وسلم في شأنها: (يَطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) فلابد أن نحذر من أن تكون من المحرومين في تلك الليلة، فهذه الليلة فرصة لكل مخطئ أو مقصر في حق الله ودينه ودعوته وإخوانه من المسلمين، إنها فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه المسلمين, فلا مكان هنا في ليلة البراءة لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا
قوله تعالى:
﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
[الحشر: 10]
والتوبة واجبة على كل مسلم، وهي طريق الفلاح؛
قال تعالى:
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
[النور: 31]،
فلا بد من المبادرة بالتوبة قبل رفع الأعمال، وأن تبدأ صفحة جديدة مع الله عز وجل.
والمسارعة لأن العبرة بالخواتيم؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سهل بن سعد: (إنما الأعمال بالخواتيم) فرُبَّ عملٍ صالح مخلص في نهاية شهر شعبان يكون سببًا في نجاتك وقبول أعمالك.
بهذه الخصال العظيمة بلغ مَن بلغَ, وسيدُ القوم مَن يعفو ويصفح، ويتوب إلى الله سبحانه لإدراك ما فات، وبدء صفحة جديدة مع الله سبحانه، قبل قدوم شهر رمضان وقبل أن تُرفَعَ الأعمال.
أدرك شهرك -أخي الحبيب- في شهر شعبان، وتعهد عملك بالسقي والمتابعه، وتفقده ألاَّ يصاب بالجفاف.
واحرص أخي المسلم أن ترفع صحائف أعمالك إلى الله في هذا الشهر وهي مليئة بصالح الأعمال من استغفار و توبة مليئة بالصدقات مليئة بحب الآخرين مليئة بصفاء القلب مليئة بصلة الأرحام مليئة بإغاثة الملهوف...
احرص على أن يرفع لك تقرير مشرف إلى ربك جل وعلا في هذ الشهر الكريم شهر رفع الأعمال ورفع التقارير إلى الله سبحانه وتعالى.