الكرامة والاستقامة :
من هنا يتأكد لدينا بأن كرامة العبد عند الله مرتبطة بمدى عبوديته له
(إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ ﴾
[الحجرات: ۱۳]
فالكرامة والولاية على قدر الاستقامة، واستمرار الولاية مرهون باستمرار الاستقامة، ألم يقل سبحانه الحبيبه :
﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)
[البقرة ١٢٠].
ومما يؤكد هذا المعنى ما حدث لبني إسرائيل، فالله عز وجل قد فضلهم على العالمين في فترة من الفترات بسبب صبرهم وتحملهم الأذى في سبيله
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ﴾
[الأعراف: ١٣٧].
وعندما أساءوا استقبال نعم ربهم عليهم، وقابلوها بالجحود والطغيان واحدة تلو الأخرى، كان العقاب الأليم من الله عز وجل، والذي وصل مداه بأن جعل منهم قردة وخنازير
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٌ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةٌ عِنْدَ اللَّهُ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾
[المائدة: ٦٠]
ومن أوفى بعهده من الله يقص علينا القرآن قصة أناس كانوا يعيشون في رغد من العيش، فلم يستقبلوا تلك النعم بالعبودية المطلوبة، والإذعان الله عز وجل، فسلبها الله منهم وأذاقهم العذاب
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةٌ مُطْمَئِنَّةٌ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
النحل : ١١٢
وفي المقابل، كم من أناس كانوا في جاهلية وتفرق وتشرذم، فغيروا ما بأنفسهم وأصبحوا عبيدا الله عز وجل، فكان الوفاء الكريم والسريع منه سبحانه وتعالى لهم فغير ما يهم من بؤس وضياع، وأعطاهم مفاتيح الأرض ليكونوا سادتها، وذلك في سنوات معدودة، وأعظم مثال لهؤلاء هو جيل الصحابة رضوان الله عليهم ..