علاقة اليقين بالتغيير:
من الأمور الملاحظة بيننا أننا كثيرا ما نتكلم عن قيم ومبادئ وتصورات ونبدي قناعة تامة بما نسمع ونتحدث، ثم نفاجأ بأن الكثير منا يخالف بفعله ما قاله بلسانه فعلى سبيل المثال: عند طرح موضوع الذكور والإناث وأيهما تريد أن تلده زوجتك؟! تجدنا نتبارى في إظهار استسلامنا الله عز وجل، وأننا سنرضى بما يقسمه لنا من هذا الرزق.
.. هذا في ميدان القول، أما في الواقع فالأمر قد يختلف، فالبعض لن يستقبل مولودته الأنثى بهذا الرضا الذي أظهره أثناء المناقشة، فإذا ما أنجبت زوجته أنثى للمرة الثانية ازداد ضيقه.. هذا الضيق قد يتصاعد في المرة الثالثة لينطلق متهما زوجته بأنها السبب في ذلك، وقد يتوعدها إن تكرر الأمر مرة أخرى !! وفي موقف آخر تجد الحديث الدائر بين الناس عن أهمية الإحسان إلى الزوجة و استشارتها في أمور الحياة .....
أما في الواقع فتجد بعض المشاركين في هذا الحديث والمتحمسين له، يسيء لزوجته ويتعامل معها بأسلوب الأوامر وفرض الرأي..
... نتحدث عن الدنيا وقيمتها الحقيرة، وضرورة عدم التعلق بها لأنها فانية و... فإذا انتقلنا إلى واقعنا نجد الكثير منا يشغل باله وتفكيره بمستقبله ومستقبل أولاده الصغار وكيف يؤمنه لهم، فيبني لهم الدور، ويسعى سعيا حثيثا للادخار والاستثمار .. يفرح كلما ازداد رصيده من المال ويحزن عند نقصانه ... ... هذه وغيرها من الأمثلة تبين لنا التناقض بين الأقوال والأفعال، والتي تنشأ بصورة رئيسية بسبب التناقض بين ما نقتنع به بعقولنا المدركة، وبين ما يوجد في يقيننا من أفكار وتصرفات.
فالولد الذي تربى في بيته على حب المال عندما يكبر ويسمع عن ضرورة وأهمية الإنفاق في سبيل الله فإنه قد يبذل بعضا من ماله تأثرا بما سمعه، لكن سرعان ما يزول أثر هذا الكلام من ذاكرته ويعود لسابق عهده من الحرص والشح بالمال و ما دفعه إلى ذلك إلا يقينه الخاطئ الذي تكون لديه منذ الصغر، ومارس مقتضياته مرات ومرات.
كذلك فالذي يرى أباه يتعامل بجفاء مع أمه ولا ينكر ذلك، فإن هذه الصورة من التعامل سترسخ في يقينه ليطبقها بعد ذلك في التعامل مع زوجته.