المحور الثاني: القلب
ومع أهمية الفكر كمنطلق أساسي للسلوك، إلا أن هذا الفكر لابد أن يجد من القلب رضا وتجاوبا وإلا ظلت الأفكار حبيسة العقل، ومن ثم يعيش الشخص في تناقض بين فكره وسلوكه.
ولقد مرت علينا في حياتنا جميعا أوقات شعرنا فيها بهذا التناقض .. أحيانا نريد أن نقلع عن مشاهدة التلفاز فلا نستطيع.. نريد أن نستيقظ مع أذان الفجر أو قبله فلا نقدر.. نريد أن نترك عادة سيئة فلا نستطيع.
فإن قلت: فما السبب الذي يجعلنا لا نستطيع تنفيذ أشياء قد اقتنعنا بها، بل قد تكون أهميتها قد رسخت في يقيننا؟! وكذلك لا تستطيع ترك أشياء نحن على ثقة تامة بمدى خطورتها علينا؟!
السبب في ذلك هو ضعف الإرادة القلبية والهزيمة أمام النفس، فإن كان العقل هو الدافع الأول للسلوك، إلا أن الذي يأمر الجوارح بالتنفيذ هو القلب، فقلب الإنسان هو الملك على جميع الأعضاء، وما من فعل اختياري يقوم به العبد إلا ويعكس موافقة من القلب على تنفيذه، قال : «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
معنى ذلك أن العقل قد يقتنع بفكرة ما ويشير على القلـب بتنفيذها، إلا أن القلب حين لا يرضى بذلك لا يتم الفعل
ولكن ما الذي يحول بين القلب وبين تنفيذ ما يشير به العقل؟! الذي يحول بينه وبين ذلك تمكن الهوى منه وسيطرته عليه، فالقلب هو مجمع المشاعر والعواطف داخل الإنسان.. هذه العواطف يتجاذبها طرفان، الطرف الأول: الإيمان بما في العقل من عقائد وأفكار، والثاني الهوى وما تميل إليه النفس.
فالعقل يريد من القلب تنفيذ مقتضيات أفكاره وقناعاته، والنفس تريد من القلب تنفيذ ما تهواه
وتميل إليه من شهوات وحظوظ.
فالصراع بين الإيمان والهوى يتم قبل كل فعل يقوم به العبد، وأيهما أقوى سينتصر. ويستولي على إرادة القلب، ومن ثم يكون الفعل من نصيبه:
﴿فَإِن لَم يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
[القصص: ٥٠]
فلحظة المعصية تعكس انتصار الهوى على الإيمان، ولحظة الطاعة تعكس انتصار الإيمان على الهوى في القلب، كما قال :
« لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن»
وعلى قدر تمكن الإيمان بالله من مشاعر الإنسان وقلبه يكون انعكاس ذلك على السلوك بأعمال صالحة، وعلى قدر تمكن الهوى من تلك المشاعر تكون المعاصي والغفلات.