الجسد الواحد
فإن قلت: ولكنني لا أفعل هذه الموبقات وأعمل جاهدا على إصلاح نفسي والاستقامة على أمر الله، فلماذا أعاقب بما يعاقب به العاصون؟
يجيب عن هذا التساؤل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله:
«يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها»،
وقرأ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
[المائدة: ١٠٥]
وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول
"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه"
إن الأمة الإسلامية أمة واحدة يشكل مجموع المسلمين جسدها، فإذا حدث لعضو في هذا الجسد مكروه فعلى الجميع أن يعملوا على عودته لصحته مرة أخرى
ويؤكد هذا المعنى أن الخطاب القرآني الموجه لأفراد الأمة خطاب جماعي وليس فرديا بمثل
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض )
[التوبة: 1]
﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
[الأنفال: 11]
﴿وَجَاهِدُوا فِي حَقَّ جِهَادِهِ ﴾
[الحج: ٧٨]
والعدني والحميدي عن أبي بكر رضي الله عنه، قال المناوي: بإسناد جيد
ومن أهم دلالات هذا الخطاب الجماعي أننا أمام التكليف الإلهي جماعة واحدة، أو أمة واحدة
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾
[البقرة: ١٤٣]
فالأمة الإسلامية هي الأسرة الكبيرة لكل فرد مسلم فيها، وهي كالجسد الواحد المكون من أجزاء وأعضاء كثيرة لكنها مترابطة ومنسجمة ومتكاملة، ولا يمكن لهذا الجسد أن يتمتع بالحيوية والنشاط والصحة إلا إذا كان جميع أعضائه كذلك، كما قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.