الإيمان والهوى
الإيمان محله القلب، وكذلك الهوى... والقلب هو مجمع المشاعر داخل الإنسان... معنى ذلك أن تأثر المشاعر وانفعالها مع قضية ما تؤدي على زيادة الإيمان أو الهوى في القلب حسب نوع القضية التي يتم التجاوب معها... فإذا ما انفعلت المشاعر مع أي عمل إيماني - كحال البعض عنـد الـدعـاء مثلا - فإن هذا الانفعال من شأنه أن يزيد الإيمان في القلب. وإذا ما تأثرت المشاعر وتجاوبت مع أمر يخدم الهوى - كحال البعض مع ما يسمى بالأغاني العاطفية - فإن ذلك يؤدي إلى زيادة الهوى في القلب. وللقرآن طريقة فريدة في زيادة الإيمان في القلب وطرد الهوى منه، وذلك من خلال قدرته على التأثير في مشاعر الإنسان بمواعظه البليغة وقوة سلطان الفاظه على النفس:
﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِها مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾
[الزمر: ٢٣)
،ويزداد قوة تأثير القرآن على القلب، إذا ما تغنى صاحبه به ورتله ترتيلا صحيحًا يهز المشاعر، ويحول القناعات التي استنتجها العقل من خلال تدبره للآيات إلى إيمان في القلب. فلحظات الانفعال والتجاوب القلبي مع القراءة تعني دخول نور هذه الآيات إلى القلب وتأثيره على المشاعر، مما يؤدي إلى زيادة الإيمان. وكلما زاد الإيمان في القلب انعكس ذلك على الجوارح بأعمال صالحة لم يكن من السهل قبل ذلك القيام بها.
وشيئا فشيئا تعود الحياة إلى القلب، ويتم تنويره بنور القرآن، وينزوي الهوى وتقل مساحته إلى أن تأتي لحظة من أهم لحظات العمر .. لحظة تحرر القلب بأكمله من سلطان الهوى، ليصبح قلبا حيا سليما يملؤه نور الإيمان، فينطلق بعد ذلك في رحلته المباركة سائرا إلى الله عز وجل مستصحباً معه الدليل الأمين - القرآن العظيم - الذي يقوم بهذا الدور على أحسن ما يكون من خلال تعريفه بربه، لتثمر هذه المعرفة عبادات قلبية من خشية ورجاء وحب وإجلال وتوكل وإنابة وثقة واستعانة وطمأنينة.... وكلما تعرف العبد على ربه أكثر تغيرت معاملته له، ومن ثم ازداد قربه منه، كل هذا يفعله القرآن بسهولة ويسر ودون تكلف
﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمانا﴾
[الأنفال: ٢]
.