التركيز في القراءة وعدم السرحان
عندما يقرأ الإنسان كلاما ما في كتاب أو جريدة أو قصاصة من الورق فإنه يعمل عقله فيما يقرأه ليفهم المراد من الكلام، وهذا أمر بديهي عند الجميع، فالكل يعلم أنه لا جدوى لقراءة شيء باللسان والعين مع شرود العقل ومما يدعو للأسف أننا نطبق هذه القاعدة على جميع ما نقرؤه إلا مع القرآن فبسبب ما ورثناه من أشكال التعامل الخاطئ مع هذا الكتاب أصبح هم الواحد منا قراءة أكبر قدر من الآيات بغض النظر عن فهم ما يقرؤه أو عدم فهمه المهم هو الأجر المترتب على القراءة، وكلما قرأنا أكثر فرحنا بما حققناه، فيكون ذلك دافعـا المزيد من القراءة بالحناجر فقط.
والعجيب أننا جميعا إلا من رحم الله قد استدرجنا لهذا التعامل الشاذ مع القرآن والذي حرمنا من الانتفاع الحقيقي بمعجزته، ولو تجردنا من أسر القيود والأغلال التي ورثناها من الأجيال السابقة، وسأل كل منا نفسه لماذا أنزل الله القرآن ؟!.. هـل أنزله فقط ليكون بابا للأجر والثواب ؟ لو كان الأمر كذلك لبحثنا عن أعمال أخرى تعود لنا بثواب أكبر من قراءة القرآن، وكتب فضائل الأعمال تدلنا على ذلك.
أخي لماذا يُقرأ القرآن بدون فهم ؟
هل يُعقل أن يُقرأ كتاب كامل بدون فهم؟
كيف استدرجنا الشيطان حتى جعلنا نقبل هذا التعامل الغريب مع أهم كتاب يوجد على ظهر الأرض؟! كيف وقعنا في هذا الفخ ومنزل القرآن يقول لنا:
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا أَيَّاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
[ ص: ٢٩]
ويقول لنا:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾
[محمد: ٢٤]
من هنا نقول: إن بداية الدخول إلى عالم القرآن ودائرة تأثيره تنطلق من ضرورة فهم ما نقرأ من آيات، وهذا بلا شك يستدعي منا التركيز عند القراءة وعــدم السرحان:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
[الأعراف: ٢٠٤].
ولأن الهدى والسعادة والتغيير وسائر الثمار المترتبة على الدخول لعالم القرآن تستلزم تديره، فإن الشيطان سيعمل جاهدا على صرف الذهن إلى أمور أخرى ليبعدنا عن فهم القرآن، فعلينا ألا يتسرب إلينا الشعور باليأس أو الإحباط كلما شرد الذهن في أمور الدنيا بل نثابر ونثابر ونستعين بالله، ونستعيذ به من الشيطان حتى نتعود على التركيز مع القراءة.. أما الآيات التي شرد الذهن فيها فعلينا إعادتهـا مـرة أخرى كما نفعل عند القراءة في أي كتاب آخر.