طبيعة الدنيا الابتلاء
إن طبيعة الدنيا الابتلاء، وما لم يوطّن المؤمن نفسه على ذلك، ويتخذ الصبر عدة له، فسوف ينغّص على نفسه حياته، ويضيّع عليه أجره، ثم لا يكون شيء إلا ما قدر الله؛ فمن لم يصبر صبر الكرام، سلا سُلُوَّ البهائم، والناس كلهم لا يخلون من البلاء، والامتحانات، والاختبارات، وتلك طبيعة هذه الحياة الدنيا.
قال الله تعالى: { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } الإنسان/1-3.
وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك/1-2.
والمؤمن أمره كله له خير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له " أخرجه مسلم(2999).
وقد أمر الله سبحانه بالصبر فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } آل عمران/200.
وجعل سبحانه وتعالى للبلاء والصبر عليه أجرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها " أخرجه البخاري (5640)، ومسلم(2572).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: " الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة " أخرجه أحمد(1481)، والترمذي(2398)، وقال: "حسن صحيح".