القرآن ليس فيه كلمة نابية ولا لفظة مستهجنة
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [النساء: 43].
تأمل ذلك التعبير القرآني العجيب، وتلك الألفاظ التي ذكرها الله تعالى: ﴿ وَلا جُنُبًا ﴾، ﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾، ﴿ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾، وهي كنايات عن ألفاظ نابية، تَمجها الأسماع، ويُسْتَحْيا من ذكرها!
ولهذه الكنايات دلالات منها أن الله تعالى كريم يكني بما شاءَ عمَّا شاءَ؛ فالجنابة كنايةٌ عنِ الْجِمَاعِ، وقيل لمن هذا شأنه: (جنبٌ)؛ لأنه يجتنب الصلاة وقراءة القرآن واللبث في المسجد، وما يشترط له الطهارة.
والغائط هو المكان المنخفض من الأرض كنِّي به عن قضاء الحاجة، تنزيها لكتاب الله عن الألفاظ المبتذلة، وصيانة للأسماع من ذكرها.
وَالْمُلَامَسَةُ: كُنِّي بها عنِ الْجِمَاعِ تكريمًا لكتاب اللهِ، ومراعاة للحياء أن يخدشه خادش، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُلَامَسَةُ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي بِمَا يَشَاءُ.
ومنها أن القرآن في أعلى درجات الفصاحة، وأسمى مراتب البلاغة، فليس فيه كلمة نابية، ولا لفظة مستهجنة.
ومنها أن من مقاصد الإسلام تطهير الألسن، وتهذيب الأخلاق، وتقويم الطباع؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ اليَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ، أَوِ الفُحْشَ» [رواه البخاري - كِتَابُ الطِّبِّ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَجَابُ لَنَا فِي الْيَهُودِ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا، حديث رقم: 6401، ومسلم - كِتَابُ السَّلَامِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ ابْتِدَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالسَّلَامِ، وَكَيْفَ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، حديث رقم: 2156].
تأمل كلام الله تعالى في القرآن ثم قارن بينه وبين ما جاء في نشيد الإنشاد في التوراة، لترى البون الهائل، والفارق العظيم! ولِمَ لا وهذا كلام الله تعالى، وذاك كلام يُستحيا من سماعه، فضلًا عن ذكره وتلاوته، وصدق الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾[الإسراء: 9].